Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

أمام مذبحة لا تنتهي | نصوص لشعراء من العالَم

 

كيف يصف المرء مذبحة لم يختبرها؟ كيف يستحضر رائحة الموت وبرد الليل وانقطاع الأنفاس؟ كيف يستدعي دويّ القذائف تُمطر فوق رؤوس الخلق، يتلوها صمت ثقيل، مترقّبًا جولة أخرى من جولات الجحيم؟ بل كيف يفعل ذلك كلّه بلسان بعيد عن لسان الموتى والأحياء، تحت سماء تهوي عليهم كلّما نظروا إلى الأعلى باحثين عن رحمة تخفيها طائرات الغزاة؟

ليس الشعر فقط تجربة مباشرة تتجلّى لاحقًا في لحظة نصّيّة مكثّفة. الشعر أيضًا تجربة إنسانيّة تخاطب إحساسنا بالجمال والموسيقى والعدل والظلم، وهذه قيم تتجاوز اللغة بتعقيداتها، فيغلب بها المعنى على الشكل؛ ما يسمح لنا، بطبيعتنا البشريّة الصرفة، أن ندرك معنى الظلم ونميّزه حين نراه، حتّى لو لم يقع علينا مباشرة، وحتّى لو كان بلغة لا نفهمها.

في ما يأتي، مجموعة نصوص كُتِبَتْ في الأصل باللغة الإنجليزيّة، وترجمتُها إلى العربيّة. كتب القصائد شاعرات وشعراء من أيرلندا، والهند، وأستراليا، وسريلانكا، على ضوء الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة منذ السابع من نشرين الأوّل (أكتوبر) 2023.

حاولت هذه النصوص، بلسان غير عربيّ، تصوير حالة العجز، الّتي يختبرها الإنسان بوصفه إنسانًا أمام مذبحة لا تنتهي؛ فمن غصّة الأصوات والكلمات، وعجز الشعر عن وقف المذبحة، تعرض القصائد، أيضًا، إلى تصوير البراءة المذبوحة، والبحث عن فسحة سماويّة توحي بالأمل، وتصف النتائج الكارثيّة للحرب رغم الأمل في خلاص منتظَر. 

 

سيماس كراهر، أيرلندا.

Séamas Crraher

 

قصيدةٌ لغزّة

(بعد استئناف المذبحة).

 

“وددتُ لو خبزتُ الخبز

وأطعمتُه لأولئك الجوعى.

أهل غزّة أهلنا، أبناؤنا، بناتنا

والله لو كان لي بيت

لحملتهم إليه بضمّة تعانقهم.

حماهم الله”.

 

 

ناجٍ، في بلدة خزاعة جنوب غزّة

(أثناء وقف النار المؤقّت).

 

سلبوا الكلمات

من فمي على الفور

– قلتُ: “فلأصمتْ، إذن”

اللصوص في التلفاز

سلبوا كلماتي كلّها.

“بل أسوأ من ذلك”، أقول …

لقد أخذوا قلبي من جسدي

وتركوا مكانه جثّةً لعينة.

 

في حلمي

أعبر على هذه الجثّة (بلا كلماتٍ ولا قلبٍ)

أراها تموت دائمًا في شارع تعلو فيه المشافي بالنار.

في حلمي (وهو ليس حلمًا، أبدًا!)

أشاهد الجثث المحروقة

من كلمات وأطفال يُتَّم في فلسطين

يتدلّون من تلك الأفواه القاسية

بعد أن غادر الجند الملاعين

وأخذوا معهم غضبهم وسمومهم. 

ها هنا صوتٌ آخرُ يقول:

 

“اخرس، وحسب، يا عدوّ الساميّة!”، “ما

أدراكَ أنت؟”، في كهفك

هناك، على حافّة قارّةٍ ما!

 

هذا الصوت الّذي لا وجه له، مع أصحابه في سدّة الحكم

أولئك الّذين ربضوا في

جمجمة رجل شريف لفترة طويلة جدًّا!

تلك الأصوات الكاذبة الّتي تعلّمتْ كيف

تقلّد الحياة!

هذا صوتٌ جُرِّد من أدبه ليصير

سياسيًّا، رجل دولةٍ، دبلوماسيًّا!

 

فحتّى لو كنتُ أحلم

بصرخات الأطفال تحاول إيقاظي

أعلم أنّني مستيقظٌ حقًّا.

 

إنّني مستيقظٌ، وهذه الحشرجة في صدري

(نارًا ودمًا وحربًا…

وأيادٍ مبتورة

لأطبّاءَ يمدّونها للعون)

أخبرَتْني

أنّ أولئك الجند ورؤساؤهم قد جاؤوا.

جاؤوا وأخذوا كلّ كلماتي

من فمي على الفور.

سلبوها

ليعلوها العفن في قسوة كتبٍ يقدّسونها.

 

استبدلوا بها الآن

جثث أولئك الأطفال

والأمّهات

وقد تُرِكَتْ ملقاةً في الشارع

بوجوهٍ حزينةٍ

تنهبها الريح

 

*

 

سيماس كراهر، أيرلندا.

Séamas Crraher

 

اذهبوا واتلوا قصيدتكم إلى أطفال غزّة

 

“ولكن كيف لي أن آكل وأشرب بينما

أنتزع من فم الجوعى طعامي

ومن العطاش يُخْتَطَف كوب مائي؟

ومع ذلك كلّه، تراني آكل وأشرب…”.

(“إلى المولودين في ما بعد” – برتولت بريشت).

 

يبدو، يا أصحابي ’الغائبين‘

أنّ هذا العالَم

باتت سنّه أكبر من الشعر

أو أصغر من أن تلحظ إنذاراته

أو بات قلبه كسيرًا للغاية الآن

لينوح على أشباحه المنفيّين.

 

لذا؛ أقول:

… اذهبوا واتلوا قصيدتكم للأطفال

المتروكين بلا أذرعٍ في مدينةٍ مهجورة

في عالَمٍ مُتْخَمٍ بوجبات عشاءٍ فاخرة

مع دبلوماسيّين وبدلاتٍ لامعة…

 

يقول لها:

“أُسرتك الميتة

تستحقّ كلّ ما حصل لها…”.

 

اذهبوا واتلوا على تلك الظلال الحزينة أقدس أبياتكم

علّهم يحكمون علينا؛ نحن أنصاف الكائنات على الحقيقة

نجلس كلّ يوم لنأكل ثمار

عملٍ أنجزه شخصٌ آخرُ!

 

ربّما، بدلًا من ذلك… اذهبوا وخبّروا الموت نفسه

بأفضل ما لديكم!

وكأنّكم تجرؤون على الوقوف

موتى في وسط هذا الطريق السريع

يدٌ تُرْفَع، في الطريق إلى غزّة

تأمر الموت: عُدْ أدراجك!

 

عُدْ أدراجك، أيّها الوغد الأمريكيّ

(تحاولون قول ذلك في خيالكم

ولكنّ العبارة تعلق في حلوقكم):

اذهبوا وانكبّوا على اللصوص الّذين سرقوا أرضكم

اذهبوا والتهموا المسوخ الّتي تقصف أطفالكم

اذهبوا وكلوا في أيّ مكانٍ غير هذا المكان…

… حيث كلّ واحدٍ

من تلك القلوب اليائسة

قد بات كسيرًا منذ حين.

 

ولكن، بالطبع، تعلمون أنّ قصيدتكم

لا فائدةَ منها ولا جدوى

وحتّى لو كانت جيّدةً إلى حدٍّ ما

يبدو أنّ هذا العالَم الّذي نعيش فيه

قد باتتْ سنّه أكبر من أن تتحمّل عبء

القصائد والشعر

وأصغر من أن تؤمن

بأنّ أصواتنا

قادرةٌ، حقًّا، على إحياء الموتى

والمحرومين

وإرجاعهم إلى الوطن

بأمانٍ

قبل أن يُسْدِل الغسق

ستاره.

 

 

ملاحظات

(’قصيدة‘ نسخة 2)

“اذهبوا واتلوها – إلى أطفال إسرائيل”

 

“ولكنّ أولئك الجالسين في سدّة الحكم

كانوا في جلوسهم ذاك أكثر أمانًا منهم معي: ذاك كان رجائي”.

(“إلى المولودين في ما بعد” – برتولت بريشت).

 

*

 

موميتا ألام، الهند.

Moumita Alam

 

أطفال غزّة

 

سامحوني

لا أعرف

كيف أغنّي لكم تهويدةً ما

فلنُصَلِّ لسقوط قوانين الفيزياء

فلنُصَلِّ أن تخطئ المسيّرات أهدافها

من الأطفال النائمين.

سامحوني

يا أطفال غزّة الموتى

لا أعرف

كيف أوقظكم.

فأنا ميتةٌ معكم.

سامحوني

هذا العالَم يحتاج إلى مزيدٍ من دمائنا

ليدعو نفسه حُرًّا.

آهٍ، يا أطفال غزّة الأعزّاء

لا تفقدوا الأمل، أرجوكم

قريبًا، تتحرّر أيّامكم من عيارات النار

انظروا إلى والديكم يرفعان الشمس عاليًا.

 

*

 

جيبكي غاودسميا، أستراليا.

Jepke Goudsmit

 

مهلة (وقفة قصيرة في مذبحة غزّة)

 

نسيتُ حزني

وأنا أشاهد الريح والرمل يلعبان

ويصنعان

انهياراتٍ صغيرةً

تدحرج الشاطئ، ببطءٍ، رجوعًا إلى البحر

هبّةً بعد هبّة، وذرّةً ذرّة

 

وإذ حوّلتُ نظري إلى السماء

بزُرقتها الصافية، وعمقها العظيم

واتّساعها الّذي لا يُدْرَك

ثوانٍ قليلة قضيتُها في ذلك الفضاء

ثوانٍ تكفيني لأفقد نفسي وأجدها

تشهد بأنّني، أنا أيضًا

ماءٌ، وريحٌ، أنّني الرمل، والسماء

يا له من فضاءٍ رحبٍ، ذلك الأزرق

الّذي يتعثّر، ويقع ويتدفّق، ويواصل حركته

ليلةً بعد ليلةٍ، ويومًا بيوم

 

ثمّ عادتْ إليّ الأفكار

وجلبتْ معها صورتك

وقد حُكِمَ عليها في جنونٍ صنعه الإنسان

بهاويةٍ يُمطر فيها الخوف والكره

قنبلةً بعد قنبلة، غضبًا بعد غضب

 

روح عالَمك مقطّعة الأوصال

مسحوقةٌ بين الأنقاض، والنفايات، والرماد

كيف للمرء أن يشهد هذا النوع من الغبار

يطفو ببطءٍ ليذهب أدراجَ الريح

لا تراه عينٌ ولا تحفظه ذاكرة؟

 

أتسمح لي بحمل قلبك، ووجعك

ومعاناتك بعيدًا بُعْدَ الحزن نفسه

علّ ألمك يتوقّف لثانيتين؟

هذي الريح أُرسلها، ضوء النهار الأزرق هذا

قطرةً قطرةً، إليك، إليك

 

*

 

بريميني أميراسينغ، سريلانكا.

Premini Amerasinghe

 

نهاية العالم (أبوكاليبس)

 

هدير حوافر الخيل

لم يعُد يثير الرعب

هذا أمرٌ يأتي من السماوات

الحياة تعرج وسط الحُفَر المفوّهة

الدخان الخانق

الكبريت

مَنٌّ ينزل باحتفاءٍ من العلياء

أبخرته اللاذعة تعزل

رائحة الموت الطاغية

العقل

يعجز عن إدراك المذبحة

القلب

مُثْقَلٌ بأحزانه

ونحن نتعثّر، مثل كائنات الزومبي

بخطوةٍ ثقيلةٍ

تتبعها أخرى.

 


 

إياد معلوف

 

 

 

محاضر ومترجم مستقلّ من فلسطين، حاصل على ماجستير الأدب الإنجليزيّ من «جامعة حيفا»، وطالب دكتوراه في الأدب المقارَن في «جامعة تل أبيب».

 

 

 


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *