Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

العدوّ الصامت في بدايات القرن الماضي

لم تكن المجتمعات مستعدّة لمواجهة الطبيعة السريعة والوحشيّة للوباء، حيث كانت أنظمة الرعاية الصحّيّة مرهقة، وأدّى الافتقار إلى العلاجات الفعّالة إلى تفاقم الأزمة، كما تباطأ النشاط الاقتصاديّ مع إغلاق أماكن العمل والمدارس والأماكن العامّة لمنع الفيروس من الانتشار،

لا تزال الأنفلونزا الإسبانيّة والوباء العالميّ المدمّر الّذي ضرب العالم عام 1918، تشكّل تذكيرًا مؤلمًا بإمكانيّة الأمراض المعدية في إحداث الفوضى في المجتمعات، حيث لقد ترك جائحة الأنفلونزا هذا، الناجم عن فيروس H1N1، بصمة لا تمحى في التاريخ بسبب انتشاره غير المسبوق وتأثيره الكارثيّ، وهو ما شهده العالم أيضًا مع جائحة كورونا خلال السنوات الماضية، وتأثيرها على كافّة مناحي الحياة، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.

في أعقاب الحرب العالميّة الأولى، واجه العالم عدوًّا صامتًا سيكون أكثر فتكًا من المعارك الّتي انتهت للتوّ، حيث انتشرت الإنفلونزا الإسبانيّة بسرعة عبر القارّات، وهي تسمية خاطئة لأنّ أصولها لا تزال غير واضحة، وأصابت ثلث سكّان العالم وأودت بحياة ما يقدّر بنحو 50 مليون شخص، حيث أظهر الفيروس قدرة مثيرة للقلق على التحوّر والتكيّف، كما استهدف في الغالب الشباب والأصحّاء، وهو خروج عن أنماط الأنفلونزا النموذجيّة الّتي تؤثّر بشكل غير متناسب على صغار السنّ وكبار السنّ.

ولم تكن المجتمعات مستعدّة لمواجهة الطبيعة السريعة والوحشيّة للوباء، حيث كانت أنظمة الرعاية الصحّيّة مرهقة، وأدّى الافتقار إلى العلاجات الفعّالة إلى تفاقم الأزمة، كما تباطأ النشاط الاقتصاديّ مع إغلاق أماكن العمل والمدارس والأماكن العامّة لمنع الفيروس من الانتشار، وأصبحت الأنفلونزا الإسبانيّة درسًا في التأثير المدمّر لفيروس شديد العدوى وفتك.

وأحد أهمّ العوامل الّتي ساهمت في انخفاض شدّة الأنفلونزا الإسبانيّة بمرور الوقت هو تقدّم المعرفة والتكنولوجيا الطبّيّة، ففي السنوات الّتي أعقبت الجائحة، طوّر العلماء والمهنيّون الطبّيّون فهمًا أعمق لفيروسات الأنفلونزا، ممّا سمح بإنتاج لقاحات توفّر الحماية ضدّ سلالات مختلفة من الفيروس، كما أدّى تطوير اللقاحات إلى خفض معدّلات الوفيات، وأصبحت حملات التطعيم السنويّة ضدّ الأنفلونزا حجر الزاوية في جهود الصحّة العامّة لمنع تفشّي المرض على نطاق واسع، حيث تمّ تصميم لقاحات الأنفلونزا الحديثة للحماية من مجموعة من سلالات الأنفلونزا، بما في ذلك فيروس H1N1، وهو السلالة المسؤولة عن الأنفلونزا الإسبانيّة، وقد ساعدت هذه اللقاحات على بناء المناعة لدى السكّان، ممّا قلّل من احتمالات تفشّي المرض على نطاق واسع.

وقد دفعت الدروس المستفادة من الأنفلونزا الإسبانيّة إلى إنشاء تدابير أقوى للصحّة العامّة وتحسين التنسيق العالميّ لمكافحة تفشّي الأمراض المعدية، إذ لعبت الوكالات الوطنيّة والدوليّة، مثل منظّمة الصحّة العالميّة، دورًا محوريًّا في مراقبة الأوبئة المحتملة والاستجابة لها، وقد تمّ استخدام تدابير فعّالة للصحّة العامّة، مثل عزل الأفراد المصابين، والحجر الصحّيّ للأفراد المعرّضين، والاستخدام على نطاق واسع لمعدّات الحماية الشخصيّة، للتخفيف من انتشار الأنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى. وقد أتاحت القدرة على توصيل المعلومات بسرعة والتعاون على نطاق عالميّ أوقات استجابة أكثر كفاءة، ممّا منع تفشّي المرض من الوصول إلى النطاق الّذي شوهد أثناء الأنفلونزا الإسبانيّة.

وبحسب دراسات، لعب تقدّم البنية التحتيّة للرعاية الصحّيّة دورًا حاسمًا في الحدّ من شدّة تفشّي الأمراض المعدية، حيث أصبحت المرافق الطبّيّة مجهّزة بشكل أفضل للتعامل مع أعداد كبيرة من المرضى، مع تحسين التشخيص والعلاج وبروتوكولات رعاية المرضى، كما توسّعت إمكانيّة الحصول على الأدوية المضادّة للفيروسات، ممّا وفّر وسيلة للتخفيف من شدّة عدوى الأنفلونزا، بالإضافة إلى ذلك أتاح التقدّم في تكنولوجيا الاتّصالات ونشر المعلومات الانتشار السريع للمعلومات الدقيقة حول الوقاية من الأمراض وأعراضها وخيارات العلاج، ممّا مكّن الأفراد من اتّخاذ قرارات بشأن صحّتهم واتّخاذ التدابير المناسبة لمنع انتشار الأمراض المعدية.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *