Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

لواحق تركيّة في لغاتنا المحكيّة…

كان الصرف والاشتقاق في اللغة التركية العثمانية يتم بإضافة لواحق في أواخر الكلمات. خلال حكم العثمانيين للبلاد العربية دخلت إلى اللهجات العربية المحكية كلمات تركية الأصل وعربية مع لواحق تركية.

سوق في يافا، في ظلّ الحُكم العثمانيّ (Getty Images)

على مرّ العصور والأزمنة، تأثرت اللغة التركية باللغة العربية، وأثرت فيها، حيث دخلت إلى اللغة التركية كلمات عربية كثيرة مباشرة عن طريق الدين الإسلامي والعلوم المتعلقة به، وعن طريق اللغة الفارسية التي كانت تعد لغة الإدارة والسياسة. في العهد العثماني كان أكثر من 50% من المفردات التركية ذات أصول عربية. كان الصرف والاشتقاق في اللغة التركية العثمانية يتم بإضافة لواحق في أواخر الكلمات. خلال حكم العثمانيين للبلاد العربية دخلت إلى اللهجات العربية المحكية كلمات تركية الأصل، وعربية مع لواحق تركية. كما أن العرب توسعوا في استخدام اللواحق التركية، بحيث أصبحت الكلمة تؤدي معاني جديدة غير موجودة في اللغة التركية.

من بين هذه اللواحق التي لا تزال مستعملة في البلاد العربية:

1- اللاحقة “لي”: في اللهجات العامية العربية تتم صياغة النسبة بإضافة ياء في آخر الاسم أو (أ و ي) حيث نقول: مصري، نابلسي، شامي، صفدي، لداوي، فحماوي، غزاوي، حيفاوي، شرقاوي، زعبلاوي. أما في اللغة التركية العثمانية فتتم صياغة النسبة بإضافة اللاحقة “لي”، حيث يقول الأتراك أورفلي أي منسوب إلى مدينة أورفه، وبيروتلي نسبة إلى مدينة بيروت.

وقد دخلت هذه اللاحقة إلى اللهجات العربية، حيث يقول أهل الشام: مرعشلي نسبة إلى مدينة مرعش في سورية، وموصلي نسبة إلى مدينة الموصل في العراق، قوتلي أي صاحب القوة، أكابرلي من الأكابر المحترمين. في فلسطين لا يزال المهر في عقود الزواج لدى المسلمين يحدد بالليرة العصملية الذهبية، وإذا أردت أن تصف مدى أصالة الشخص وأمانته وحسن معاملته، قلتَ عنه: “زي الذهب العصملي” وأصل الكلمة عثمانلي نسبة إلى جد العثمانيين، والتركي يلفظ الثاء مفخمة كالصاد، كما أن حرفي النون واللام يتعاقبان فأصبحت عصملي، وهو لفظ أطلق كذلك على العثمانيين كافة وعلى دولتهم الغابرة.

الناصرة قديما (Getty Images)

وفي مدينة الناصرة، توجد عائلة تسمى أورفلّي نسبة إلى مدينة أورفه في تركيا، ولعلها من أصل تركي، أو أن أحد أجدادها كانت له علاقة بهذه المدينة. وفي العراق يقولون بغدادلي نسبة إلى بغداد، وكركوكلي نسبة إلى كركوك، وقلعتلي وهو السجين، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنه كان يحبس في سجن القلعة في بغداد. أما في مصر فيقولون عصمانلي نسبة إلى العثمانيين، وأزميرلي نسبة إلى مدينة أزمير التركية، وبغدادلي وهي قطعة صغيرة من الخشب تستعمل في البناء، واجبتلي المؤدب الذي يعرف الواجب، وشربتلي بائع الشراب، ومحبتلي ذو الحب، ومهابتلي ذو المهابة، وقد استعمل الأتراك اللاحقة “لو” بمعنى ذو أو صاحب، للدلالة على أصحاب الألقاب الرفيعة، والمناصب العالية، فقالوا: سماحتلو أي صاحب السماحة، وهو لقب أطلق على المفتي، ودولتلو صاحب الدولة، وهو لقب أُطلق على الولاة مثل والي سورية، وسعادتلو أي صاحب السعادة، وفضيلتلو صاحب الفضيلة، وعزتلو صاحب العزة، وعصمتلو صاحبة العصمة… إلخ.

ويُذكر أن هذه اللاحقة كانت مستعملة في المراسلات والمطبوعات، ولم يبق لها اليوم أثر في كلامنا، غير أنه لا تزال في فلسطين عائلة تسمى حندقلو (جت الشعراوية) وعائلة قاطعلو (حيفا) ولعلهما تعودان إلى أصل تركي.

القدس أثناء فترة الحُكم العثمانيّ (Getty Images)

2- اللاحقة “جي”: للدلالة على صاحب مهنة أو حرفة أو صنعة أو وظيفة؛ كان الأتراك يضيفون في آخر الكلمة اللاحقة “جي”، فيقولون: مكتوبجي أي الرقيب الذي يراقب المطبوعات والجرائد والصحف وكانت هذه الوظيفة موجودة في المدن الكبيرة بجانب الوالي، ولسليم سركيس كتاب لطيف اسمه غرائب المكتوبجي(1896)؛ ودعاجي وهو موظف عثماني في المساجد الكبيرة، كان يحشد الناس للصلاة والدعاء للسلطان باليُمن والخير والبركات؛ وبوسطجي وهو ساعي البريد؛ وكندره جي وهو الإسكافي صانع الأحذية الأوربية؛ وقاشقجي وهو صانع أو بائع الملاعق؛ والتفكجي وهو صانع البارود والبنادق؛ وفي فلسطين اليوم قهوجي أي بائع القهوة، أو صانعها، ثم أطلقت على صاحب المقهى، وهناك عائلات في الشرق تسمى قهوجي ينتمي إلى إحداها المرحوم المناضل حبيب قهوجي، وأحيانا يلفظون القاف همزة، وهو أمر شائع في المدن، ومواسرجي أي السَبَّاك؛ وكهربجي عامل الكهرباء؛ ودُكَّنجي صاحب الدكان أو الحانوت؛ وفي دمشق يقولون عن بائع الخضراوات خُضَرْجي، وعن البَنَّاء معْمرجي، وعن سائق العربة التي تجرها دابة؛ طُنْبَرجي.

في بعض البلاد العربية اكتسبت الكلمات المتصلة بـ”جي”، معاني سلبية لم تكن في الأصل، فمثلا في اللغة التركية العثمانية، كانت كلمة طوبجي تعني رجل المدفعية، أما في بيروت اليوم، فإنها تعني الشخص الشاذ الذي يتحرّش بالأولاد؛ وكلمة بلطجي كانت تعني فردا من حاملي البلطات، العاملين على شق الطرق، ثم أصبحت تعني الشخص الذي يستعمل القوة بغير حقّ لابتزاز الناس حقوقهم المشروعة، والجمع بلطجية.

أخذت الكلمات العربية المتصلة باللاحقة التركية “جي”، معاني سلبية، تدلّ على نقص أو عيب في الشخصية أو السلوك، ففي الشام تدل كلمة مشكلجي على مثير المشاكل، ونسونجي على من يتصرف كالنساء ويحب الجلوس إليهن، وسكرجي على السكّير، وقمرجي على لاعب القمار، ومنفخجي على المغرور والمتكبر، وفي مصر كلمة عربجي كانت تعني سائق العربة أو سائق السيارة، ثم أصبحت تعني الشخص العنيف الجلف، والعونطجي أي المحتال والنصاب، والبطحجي الشرير الذي يستعمل المطواة.

الجنود العثمانيون في فلسطين، عام 1915 (Getty Images)

يستعمل السياسيون والمنتمون إلى أحزاب دينية أو اجتماعية، هذه اللاحقة، أحيانا، للتشهير بمعارضيهم، فمثلا يقولون ثورجي، وجمعها ثورجية للدلالة على مدعي الثورة؛ وقومجي للدلالة على دعاة التشنج القومي؛ وأُصولجي على مدعي التمسك بالأصول. في بعض الأحيان يستعمل العرب اللاحقة التركية “نجي” الدالة على النسبة فيقولون: كلمنجي وهو المهذار، كثير الكلام والمخلف للوعد، ومكلمنجي وهو منسوب إلى اسم الفاعل، وكلامانجي وهو منسوب إلى المصدر، وإلى هذه النسبة تنتمي الكلمة التركية برنجي، فكلمة بر تعني واحد ونجي جاءت للدلالة على النسبة والمعنى المستفاد هو: الأول والنخب والممتاز.

3- اللاحقة “لك/لق”: في العهد العثماني، كان القصر أو بيت الإقطاعي يتكون من ثلاثة أقسام: القسم الأول هو السلاملق وتلفظ السلاملك، وهو المكان الخاص باستقبال الضيوف القادمين للسلام على صاحب القصر، والقسم الثاني الحرملك وهو المكان الخاص بـ”الحريم”، أي النساء، أما القسم الثالث فهو المكان الخاص بالخدم وكان يُسمى خدملك.

تدلّ اللاحقة التركية “لك/لق” على اسم المكان، واسم الزمان، والحالة والهيئة والانتساب لشيء ما، ففي شرق تركيا توجد قاعدة أميركية تُسمى إنجيرلك، ومعنى إنجير بالتركية هو شجر التين، واللاحقة “لك” تفيد بمعنى اسم المكان، أي أن إنجيرلك تعني المكان الذي تكثر فيه أشجار التين؛ كما أنهم يسمون كرم الزيتون بزيتونلك؛ والسفربرلك النفير العام أيام سوق الرجال على يد “الأخذ عسكر”، من فلسطين وسورية ولبنان وتسفيرهم برًّا، للاشتراك في الحرب العالمية الأولى، وقد اكتسبت الكلمات التركية معاني أخرى في لهجاتنا المحلية، فكلمة سلاملك تعني في مصر اليوم الطابق السفلي في العمارة، وكلمة طاشلق التي كانت تعني المكان الذي تكثر فيه الحجارة، أصبحت في لهجة أهل فلسطين تعني الشخص المستهتر، الذي لا يقيم وزنا للأعراف والقيم. ويُذكر أن هناك موقعا إلكترونيا في الإنترنت اسمه شبابلك، وهو خاص بالشباب.

مركز حجر صحيّ، تم إنشاؤه في عهد سلطان الدولة العثمانية في عام 1848، ولا يزال موجودا في الخليل بالضفة الغربية (Getty Images)

4- اللاحقة “خانه”: خانة بالتاء المربوطة كلمة فارسية الأصل تعني: “بيت”، وقد استعملها الأتراك العثمانيون بهذا المعنى لتدل على اسم مكان وكتبوها بالهاء فقالوا: ضربخانه للدالة على مكان سك العملة أو دار السكة، وكتابخانه للدلالة على حانوت لبيع الكتب، وملي كُتُبخانه للدلالة على المكتبة الوطنية الموجودة في إسطنبول، وباصمه خانه للدلالة على المطبعة، ودفتر خانه للدلالة على الدائرة المالية في الولاية، وتعني كذلك الأرشيف الذي تُسجل فيه الأراضي (طابو)، وجبخانه للدلالة على مخزن الذخيرة والأسلحة. وفي 5/2/1915 انفجرت الجبخانة في قرية دالية الكرمل، ما أدى إلى تدمير ثلث القرية. في نابلس كانوا يسمون الصيدلية أجزخانه وكذا في مصر وفي العراق أزخانه، وفي فلسطين أطلقوا على بيت الدعارة “كراخانه”، وكذا في سورية، وفي مصر يستعملون كلمة سلخانة للدلالة على المسلخ، وفي العراق يسمون محطة وقود السيارات بنزين خانه، وفي يافا يوجد مكان يسمى كزخانة أي موضع لبيع الكاز، وفي البحرين يسمون مخفر الشرطة بوليس خانه، وفي سورية كانوا يسمون المشفى خسته خانه أي بيت الضعفاء، وفي السودان يسمى المستشفى شفاخانه، والمرحاض أدبخانه.

5- اللاحقة “سِزْ”: تستعمَل هذه اللاحقة لنفي الصفات والأسماء والحال، وتشير إلى معان كثيرة، نذكر منها: “بدون”، “قليل”، “بلا”، “ناقص” فمثلا الجملة التركية العثمانية التالية: “تربيه سز آدم روحسز جسم كبيدر”، ترجمتها “قليل الأدب كالجسم بلا روح”.

روى معمِّر من قرية باقة الغربية أنه سمع أحد الجنود الأتراك يضرب فلاحا، ويقول له: “دمغ سيس”، ولعل المقصود “دماغ سِز”، أي أنت ناقص عقل، ولا يزال سكان قرية عرعرة في المثلث، يسمون عديم الأخلاق: “سيس”، أي “أخلاق سز”. لم أجد في مصر من يستعمل أداة النفي التركية “سز”، وإنما كثُر استعمالها في العراق، حيث لا تزال مرتبطة بكلمات كثيرة نذكر منها: أدب سز- قليل الأدب، عارسز- وقح، حياسز- بلا حياء، سلاح سز– بغير سلاح، ضمير سز- عديم الضمير، دين سز-كافر، سكر سز- بدون سكر.


هوامش ومراجع:

1- سليم سركيس، غرائب المكتوبجي، مطابع جريدة المشير، القاهرة، 1896م.

2- عبد الباسط الأُنسي، تأسيس المباني في اللسان العثماني، ط 3، بيروت، 1305ﻫ/1891م.

3- يوسف أفندي حسني، الإيضاحات الوفية في قواعد اللغة العثمانية، ط 2، المطبعة الأدبية، بيروت، 1885م.

4- جيمس رد حاوص الإنجليزي، كتاب معانئ لهجه –قاموس تركي – إنجليزي، ط 2، إستانبول، 2001 (تصوير للطبعة الصادرة عام 1890م).

5- محمد علي الأنسي، قاموس اللغة العثمانية: الدراري اللامعات في منتخبات اللغات، بيروت، 10 جمادى الثانية 1320ﻫ/1902م.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *