Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

جرائم القتل داخل العائلة.. الدوافع والأسباب والفشل المؤسساتي

في الأول من أيار/ مايو 2023، استفاقت الطيبة على جريمة غير مسبوقة، في حوالي الساعة الثانية والنصف فجرا، ساد السكون حي البنوك في المدينة، استيقظ محمد مصاروة (32 عاما)، حين كانت أسرته تغط في نوم عميق، استل سكينا بطول 15 سم، اقترب من زوجته براءة (26 عاما) وطعنها 28 مرة حتى فارقت الحياة، ثم دخل غرفة الأولاد، وقام بطعن طفليهما أمير (عامان) وآدم (نصف عام)، حتى الموت.

صدمة صاعقة أصابت الطيبة على وجه الخصوص، والمجتمع العربي عموما، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة جرائم القتل في المجتمع العربي، إلا أن هذه الجريمة تركت أثرا كبيرا عند كل من سمع عنها، إلى جانب أسئلة كثيرة تزاحم نفوس الكثيرين.

لم تندرج هذه الجريمة التي أجهزت على أسرة كاملة ضمن تصنيفات الجرائم التي تقع في المجتمع العربي، فهي تعد جريمة من نوع آخر، فسّرها علم الإجرام، إذ تختلف دوافعها وأسبابها، وعليه فإنها تركت السؤال الأهم الذي سيبقى عالقا، على ما يبدو، دون إجابة واضحة، وهو ما الذي يدفع والدا على قتل قتل زوجته وأبنائهما؟

تشير المعطيات من المؤسسات الحكومية إلى أن 40 جريمة قتل للأبناء تمت في المجتمع العربي منذ العام 1948 حتى اليوم من أصل 228 جريمة في المجتمعين العربي واليهودي، أي بنسبة %17.5 من أجمالي الجرائم، وتعد هذه النسبة منخفضة مقارنة مع خلفيات جرائم القتل الأخرى في المجتمع العربي.

القاتل محمد مصاروة والضحايا زوجته براءة وطفلاهما

يرى الضابط السابق في الشرطة الإسرائيلية والباحث في مجال قتل الأبناء، آفي دافيدوفيتش، أن “الأرقام في المجتمع العربي ليست دقيقة بدرجة كبيرة، لأن الكثير من الملفات التي توفي فيها الأولاد بسبب ضعف الرقابة كانت تسجل ضد مجهول، على الرغم من أن الشبهات كانت تحوم حول الأب أو الأم، ولكن بسبب ضعف الأدلة كانت تغلق الملفات وتسجل الوفاة على خلفية عادية”.

خمسة دوافع للقتل

تتعدد الدوافع لقتل الأبناء، بحسب ما عرفها علم السلوك الإجرامي، وفقا لدافيدوفيتش، إذ قال إن “هناك خمسة دوافع لقتل الأبناء، القتل من دافع إزالة الخطر، والقتل من دافع الرحمة، والقتل من دافع الانتقام، والقتل من دافع القوة والسيطرة، والقتل في حالات المرض النفسي”.

يوضح الباحث أنه “على عكس ما يعتقد الكثيرون، أن كل من يقتل ابنه أو أولاده يعاني مرضا نفسيا، هذا خطأ، والإحصاءات تثبت عكس ذلك، غالبية من يقتلون أبنائهم لا يكونون تحت تأثير المرض النفسي، الدافع الأول هو القتل من دافع السيطرة والقوة، والذي يقتل الأب أو الأم، والضحية الابن أو الأبناء، وهذا الدافع يتميز به الأب وينطوي تحت العنف الأسري، أي أنه حين تقع جريمة كهذه فإنها لا تكون حالة العنف الأولى داخل العائلة، إنما تكون المرحلة الأخيرة من سلسلة عنف مستمر”.

ويضيف أن “غالبية الخلفيات في المجتمع العربي هي تحت طائلة القوة والسيطرة، والانتقام، ومن دوافع إزالة الخطر بسبب ثقافة المجتمع الذي يعد مجتمعا محافظا، وهذا الدافع دارج جدا في المجتمعات التي تعد محافظة أو مجتمعات مغلقة غير منفتحة على ثقافات العالم الغربي. الناس لا تعي هذه الظاهرة التي من الممكن أن تقع في أي مجتمع، لأن التفاصيل القاسية وغير المعقولة بالنسبة لهم أهم بكثير من الدوافع والمسببات، وفي كل جريمة كهذه، النقاش دائما يكون حول بشاعة الجريمة بعينها، وليس النظر إلى القضية بشكل عام وشامل. الأولاد الذين قتلوا راحوا ضحية لمن كان من المفترض أن يوفر لهم الأمن والأمان، ولكن هؤلاء الأهالي القتلة جزء كبير منهم هو نفسه كان ضحية في الصغر لظروف حياتية مر بها، هذا لا يعفيه إنما يفسّر الحالة”.

ويرى دافيدوفيتش أن “تقليص مثل هذه الحالات والحد من جرائم قتل أولاد أو زوجات وأولاد يأتي من خلال الرقابة وتطبيق القانون بصرامة، وتشكيل ردع عام من قبل السلطات”.

فشل مؤسساتي

يجمع المسؤولون أن خبر جريمة قتل الأبناء يسبب حالة من الذعر في أوساط المجتمع، تصل إلى حالة الهلع بسبب قسوة التفاصيل، ولكن تنفيذ الجريمة يكون العارِض الأخير لسلسلة علامات وقعت لم ينتبه أحد إليها في الطريق، وتشير إلى فشل مؤسساتي في الدرجة الأولى، وفشل اجتماعي في الدرجة الثانية.

هذا ما قالته والدة ضحية جريمة القتل، المرحومة براءة جابر، في حديث لـ”عرب 48″ بعد مقتل ابنتها براءة وطفليها آدم وأمير، على يد زوجها محمد مصاروة، “كانت هناك إشارات لم تفهمها براءة ولم تتضح لنا أيضا، تشير إلى أنها كانت تمر في حالة ما داخل العائلة، براءة كانت كتومة جدا، ولكن كان من الواجب على عائلة المتهم زوجها أن تنتبه لهذه الإشارات وتبلّغ السلطات”.

تنضاف إلى ما قالته والدة القتيلة براءة، أقوال شقيقها في مقابلة لـ”عرب 48″ بعد تقديم لائحة اتهام ضد القاتل “على كل الصبايا اللاتي يقدمن على الزواج، أن يفحصن إذا كان المتقدم يعاني من أمراض نفسية أو ذهانية، أو يتعاطى المخدرات”.

يؤكد هذه الأقوال الخبير في علم الإجرام والمخدرات، د. وليد حداد، في حديث لـ”عرب 48″ ويقول إنه “حين تقع الجريمة لا تكون وليدة اللحظة، هناك تسلسل أحداث كان ما قبلها مصحوب بإشارات ودلالات كثيرة، وخلال هذه العلامات يقع الكثير من الفشل على رأسه من مكاتب الشؤون الاجتماعية التي تقدم الخدمات والمسؤولة عن تلك العائلات في ضائقة، سواء العائلات التي لديها من يعاني من اضطرابات نفسية سلوكية أو اقتصادية واجتماعية”.

يوافق أقوال حداد، العامل الاجتماعي إبراهيم إغبارية، ويقول لـ”عرب 48″ إن “الجريمة طرف الجليد للعنف الأسري. ليست كل حالة عنف أسري ممكن تصل إلى قتل، ولكن كل حالة عنف أسري فيها مراحل كثيرة من الخوف، والذي من خلالها يفكّر الضحية في مخيلته أن هذا العنف من الممكن سيصل إلى الجريمة”.

يرى حداد أنه “يوجد خلل في تمرير المعلومات الخاصة عن هذه السلوكيات التي تؤدي إلى الإجرام في المجتمع العربي، خلل من قبل مراكز الرفاه الاجتماعي. عند المجتمع اليهودي الأمر مختلف تماما، فهناك المعلومات تصل بسرعة إلى الجهات المختصة، ولكن في المجتمع العربي هناك صعوبة في نقل المعلومة، والتي أدت إلى وقوع جرائم كنت شاهدا عليها، بسبب هذا الفشل”.

ويضيف حداد أنه “نتحدث عادة عند وقوع جريمة قتل، ولكن هناك الكثير من حوادث العنف التي وقعت في حضانات الأطفال والبيوت والمؤسسات، وفي النهاية حين ننتقد المؤسسات لكي نصحح الأخطاء نُتهم بالشيطنة”.

إشارات وعلامات

يؤكد حداد أنه لا توجد حالة وقعت فيها جريمة قتل داخل العائلة وخاصة من قتل الأبناء إلا وكانت هناك إشارات وعلامات سبقت الجريمة، ويقول إن “31 عاما في هذا المجال تؤكد بأنه لا يوجد جريمة لم تسبقها علامات، كان من الممكن أن تكون العلامات واضحة أو إنها تحتاج إلى جهد، وكان بالإمكان أن تنقذ حياة الكثيرين، لأنه حين يقع الفشل في رصد العلامات والمؤشرات تقع الجريمة، ولو أن المؤسسات عملت كما يجب لكان بالإمكان منع 60% من حالات انتحار وقتل”.

ويشير حداد إلى أنه “وصلني الكثير من الحالات التي أفادت الأم أنها تريد أن تذبح ابنها بسبب الأصوات التي بداخلها، وكانت تقول إنها امتنعت عن تقطيع السلطة كي لا تحمل السكين بسبب المخاوف بأن تقترف جريمة، ولكن بعد أن عولجت عاد كل شيء إلى طبيعته، هذه الحالات النفسية. وهناك حالات أخرى التي تنتج عن تعاطي المخدرات مثل النوبات الذهانية، وفيها عقل الإنسان يعطي أوامر مشوشة بسبب استعمال المخدرات، لأنها تفصل الشخص عن الواقع، في كثير من الأحيان”.

ويرى الخبير في علم الإجرام والمخدرات أن أخطر الحالات هي التي يكون فيها الشخص لديه خلفية نفسية وبنفس الوقت يتعاطى مخدرات، “كأنك تريد أن تُطفئ حرشا ملتهبا بمادة مشتعلة. لا يوجد سيطرة على مثل هذه الحالات”.

ويلفت حداد إلى نقطتين فارقتين، “كل من يقتل أولاده لديه اضطرابات نفسية أو سلوكية، أو اضطراب في الشخصية، لأننا لا نتحدث عن شخصية سوية، أو في حالة المرض النفسي، ولكن هنا يجب أن نفرّق بين المرض النفسي والاضطرابات في الشخصية والسلوكية، إذ أن من تكون لديه الاضطرابات يكون واعيا لأفعاله. أضيف على ذلك، أنه من المستحيل التمثيل على اللجان الخاصة التي تفحص المجرمين في حالات المرض النفسي، حتى وإن أدخل القاتل إلى مستشفى علاجي، فلن يكون ذلك أفضل من السجن فيما يتعلق بالظروف”.

ويفسر إغبارية ظاهرة العنف الأسري “إنه يختلف عن الجريمة الدارجة في مجتمعنا، ولها دوافع مختلفة، وبسبب الجريمة المنتشرة بشكل عام فإن الناس تخلط بين الجرائم وتصنف العنف الأسري في نفس خانة الجريمة والجريمة المنظمة. قتل النساء والأولاد على خلفية عنف أسري هي حالة نادرة في سياق كمية العنف الكبيرة الموجودة داخل الأسرة”.

ويشير إلى أن الجريمة المنتشرة في المجتمع دون رادع تشجع على العنف الأسري، “الجو العام يعطي شرعية لاستخدام العنف والجريمة لحل أي مشكلة، وهذا يؤثر على العائلات ويعطي شرعية ومحفزا أكثر لممارسة العنف داخل العائلة، سواء ضد الزوجة أو الأبناء، وخاصة العنف المخطط له وليس العنف العفوي، لأن الجريمة في مثل هذه الحالات تبدو سهلة وليست أمرا شاذا، ولو كان الأمر شاذا مجتمعيا لكان من الصعب اختراق هذا الحاجز. هنا نتحدث عن الرجل الذي قد وصل إلى مرحلة التخطيط ومن ثم التنفيذ لقتل زوجته أو أولاده”.

يرى إغبارية أنه “في حال انعدام العنف في العائلة يتكون الأمان، ولا تأتي المخاوف من القتل، ولكن في حال كُسر هذا الحاجز ووقع العنف، ستبدأ مرحلة من المخاوف من أن يتطور العنف إلى حد الجريمة”.

ويفسر أن القتل بحاجة إلى مركبات إضافية على مركبات العنف الأسري، “العنف الأسري تكون له خلفية صعوبة السيطرة على الغضب، ويكون انفلاتا فيه يلقي الأب غضبه على امرأته وأولاده، وهذا مع الوقت إذا لم يتعلم كيفية السيطرة على غضبه، توجد احتمالية بأن يتطور، في حين أن صمت المرأة يعطي الزوج باستمرار العنف، بل وتصعيده، ولكن إذا تم علاجه من الممكن أن يسيطر على غضبه”.

ويرى إغبارية أن “أصعب شيء على الإنسان أن يشعر بالعجز والإحباط، وأنه لا شيء ينقذه من الأزمة الموجود فيها، والطرف الآخر لا يساعده ليخرج من الأزمة. الأسرة هي ملاذ لنا، ولكن في حالات كثيرة تكون مصيدة وتتحول العائلة إلى مصدر للأزمة. المشكلة إما تُحل أو تتفاقم وهي لا تبقى على ما هي عليه، وإذا تفاقمت تبدأ تراود فكرة القتل أو الانتحار أو القتل والانتحار معا”.

ويوّضح أن “عملية القتل تبدأ بأفكار تكون نابعة من يأس وإحباط، وغضب بدون منافس، هذه عادة تؤشر إلى ضائقة نفسية كبيرة، والمخيف أكثر إذا كان العنف مخططا له من ذي قبل، فهو مبني أكثر على مبادئ! القتل هنا يكون من توقع مجتمعي وكأنّ الأمر مقبولا وله دعم عائلي”.

ويشدد على أن “قتل الأولاد دارج أكثر في المجتمعات الغربية، لذلك نحن نصدم حين نسمع عن قتل الأولاد، ولا يمكننا أن نتقبل شيئا كهذا. ومن يصل إلى هذه المرحلة سيكون وصل إلى درجة مستبعدة وشاذة وتكون له مركبات شخصية مميزة”.

ويعتبر العامل الاجتماعي أن “المسافة بين التفكير والتنفيذ قريبة، والانكشاف على مثل هذه الحالات يكون مصيريا إذا كان قبل التفاقم. هذه الحالات تؤثر نفسيا على الجميع، وتأثيرها يتخطى العائلة المصغرة التي وقعت بها الجريمة، إنما على المجتمع ككل، الخوف يصيب الأبناء والأمهات، وحتى الآباء. وأكثر على الأبناء لأنهم ضعفاء، ونحن ككبار نشعر بخوف أولادنا في مثل هذه الحالات”.

وختم إغبارية بالقول إنه “للأسف، لدينا عدم تقبل العلاج النفسي والمجتمعي حتى الآن، اعتدنا أن كل هذه الأمور تُحل في العائلة، ولكن اليوم العائلة لا توّفر هذه الحلول والعلاجات، وحتى الآن العلاج ليس مقبولا، ولكنه تحد كبير بالنسبة لنا”.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *