Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

صمت دمشق بعد طوفان الأقصى وقربان العلاقات السورية

جددت الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات محيطة بالقطاع في 7 أكتوبر 2023 الانتباه إلى ما يسمى “محور المقاومة” ــ وهو تحالف من نوع خاص بين إيران وسورية وحزب الله وحركة حماس، والحديث عن قدرات الردع الخاصة بهذا المحور أمام الماكينة العسكرية الإسرائيلية التي مارست أبشع أصناف الهمجية والوحشية في المنطقة. ولكن في حين أن حزب الله وإيران ينشطان بشكل واضح منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فقد لعب النظام السوري دوراً أكثر صمتاً في دعم حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في الحرب الأخيرة ضد إسرائيل بما يطرح تكهنات كثيرة حول عهد جديد من العلاقات بين دمشق ومحور المقاومة من جهة، وبين دمشق والقوى الدولية الفاعلة في الشرق الأوسط، وأهمها روسيا وأميركا، من جهة أخرى.

لا تزال دمشق تعاني من وطأة الحرب الدائرة منذ ما يزيد عن عقد من الزمن بفاتورة اقتصادية وعسكرية وسياسية ودبلوماسية باهظة، الأمر الذي جعلها تعيد تقييم علاقاتها بحركة حماس، لا سيما بعد 7 أكتوبر، ليتراجع الدعم العسكري والسياسي؛ والإبقاء على الدعم الإعلامي والإشادة بانتصارات المقاومة الفلسطينية، ولكن مع عدم تصدير حماس على أنها القوة الوحيدة والأولى في المقاومة في فلسطين. قبل 2011، كانت حماس جزءًا لا يتجزأ من خطاب المقاومة في الإعلام السوري ولدى السياسيين السوريين، رغم الضغوطات الأميركية على دمشق في المدة بين 2000 و2010 للابتعاد عن محور المقاومة وعدم استضافة قادة حماس في سورية. أسست حماس في دمشق مكتبها السياسية، وغرف إدارة عمليات المقاومة الإسلامية، وبدأ قادتها بالتحرك لرفع مستوى التمثيل السياسي والدبلوماسي في سورية وكان خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي للحركة في دمشق، واستمرت العلاقات في تصاعد حتى عام 2012 بعد أن أعلنت حماس تأييدها للثورة السورية ودخول المخيمات الفلسطينية في المعارك إلى جانبي النزاع في سورية، الأمر الذي أفرز خروج الفلسطينيين من عدة مخيمات أهمها مخيم اليرموك على أطراف العاصمة دمشق.

استمرت حالة الخصام هذه حتى 2022، حين أعلنت الحركة في بيان رسمي لها إزالة الخلافات وعودة العلاقات مع دمشق وفق ما تقتضيه المصالح العليا للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، تكلل بزيارة وفد من الفصائل الفلسطينية إلى سورية، بهدف إعادة ترتيب أوراق العلاقات الجماعية وعودة المياه إلى مجاريها مع دمشق لطي صفحة من الخلافات.

بعد معركة طوفان الأقصى، لم يدلِ القادة العسكريون في دمشق بأية تصريحات تجاه الحرب في غزة، بصفة رسمية تدل على انخراط دمشق بالحدث بحكم موقعها وبحكم ارتباطاتها بمحور المقاومة. كان الدور الأبرز للفصائل الشيعية في البلاد، والتي أقدمت على إطلاق عدة صواريخ على الجولان المحتل والمناطق البرية في منطقة الجليل شمالي فلسطين المحتلة؛ وكان الرد الإسرائيلي عنيفًا عليها إذ نفذت المقاتلات الإسرائيلية ما لا يقل عن 50 هجوماً على الأراضي السورية طاولت فيها القوات الإيرانية، وراح ضحيتها عشرات الجنود والضباط من الصف الأول. يثير هذا الصمت الرسمي تجاه الحرب على غزة عدة تساؤلات حول مستجدات طبيعة العلاقات السورية الإيرانية وقيمة وجود القوات الشيعية في سورية وارتهاناتها الخارجية، وطبيعة علاقات سورية مع القوى الفاعلة في المنطقة وأبرزها روسيا وأميركا.

لا تزال سورية تقود دورًا لا بأس به في محور المقاومة بحكم الارتباط بإيران وبحكم وجودها الجيوستراتيجي على الخط الأول أمام إسرائيل، والمساحة الآمنة لتوريد السلاح النوعي لحزب الله في لبنان، وهو بالنسبة لإيران دور لا يمكن التخلي عنه. وفي ذات الوقت نرى تراجعاً على مستوى العلاقات السورية الإيرانية على الأرض، بوجود ثلاثة أسباب: الأول أن هناك تبقى شكوكًا غير معلنة أن ضباطًا إيرانيين يعتقدون بتورط ضباط سوريين بتسريب معلومات عن إقامة ضباط الحرس الثوري الإيراني في دمشق، الأمر الذي أدى إلى اغتيالهم بضربات بالغة الدقة بأوقات متفرقة؛ والثاني خوف إيران من إعادة دمشق إلى الحاضنة العربية بعد سنوات القطيعة الماضية، واندماجها بالمشروع العربي المناهض للسيطرة الإيرانية على المنطقة، لا سيما بعد حضور بشار الأسد القمة العربية الأخيرة في المنامة وقبلها حضره القمة العربية في الرياض ووجوده إلى جانب القادة العرب؛ ويكمن السبب الثالث بوجود ارتهان سوري قوي للرأي السياسي والعسكري الروسي بعد الدعم العسكري والدبلوماسي المطلق الذي أبدته موسكو تجاه دمشق على مدار السنوات التسع الماضية وإحداث قواعد عسكرية في أغلب المناطق في سورية على حساب القوات الشيعية المدعومة من إيران.

ورغم الاتفاقات الثلاثية المبرمة بين دمشق وموسكو وطهران، والتي تشتمل بنود الدفاع المشترك حماية المصالح المشتركة، إلا أنه على ما يبدو أن إيران تركت وحيدة أمام الضربات الإسرائيلية، ولم تحرك كل من سورية وروسيا جزءًا من الدرات الصاروخية المرصودة للردع وأهمها نظام صواريخ S-300 وs-400 الموجودة في قواعد روسية في مدينة طرطوس على ساحل المتوسط؛ في رسالة مفادها على ما يبدو الرغبة بتقليص الوجود الإيراني المقلق في المنطقة عبر إطلاق يد إسرائيل فوق سورية.

على الرغم من الطرح أعلاه، يبدو أن الجمود السوري والنأي بالنفس تجاه غزة والبرود تجاه المقاومة يُدار بطريقة تحافظ على توازن ومصالح دمشق في المنطقة بما يضمن احتمالية خروجها من عزلتها الدولية عبر عدم إثارة غضب واشنطن وموسكو على حد سواء، أو حتى الخروج عن صف الموقف العربي المقتصر على الدبلوماسية والتفاوض ومحاولات تأمين المساعدات. يثير هذا الغموض تساؤلات حول احتمالية تقديم دمشق هذه التنازلات لصالح استقطاب رضا واشنطن، لتعزيز فرص حل الأزمة السورية وفرص إعادة الإعمار والاستثمارات الآمنة ورفع العقوبات.

ننطلق في هذه الفرضية من عدم مصادقة الكونغرس الأميركي على قانون “مناهضة التطبيع مع النظام السوري” في جلسته في أبريل الفائت، على الرغم من أنه تم تمريره مسبقًا في فبراير 2024 ضمن حزمة مشاريع مستعجلة أبرزها قانون “كبتاغون2” أيضّا. قد يرى البعض في تأجيل المصادقة على قانون مناهضة التطبيع دعماً لدمشق وطيّ عدة ملفات تورط فيها النظام وإعطائه فرصة لترتيب أوراقه قبل فتح الباب لإعادة العلاقات مع بعض الأنظمة العربية، ولا سيما بعد تعيين المملكة العربية السعودية السيد فيصل المجفل سفيراً لدى دمشق واستعادة البعثات الدبلوماسية، وترتيب علاقات دولية في بيئة قليلة النزاعات. وبالاستنتاج قد تكون هناك علاقات جيدة بين واشنطن ودمشق، وأن إدارة بايدن تحابي النظام الحالي، وترفض تضييق الخناق عليه، وتفتح له علاقات جيدة مع أنظمة عربية ذات ثقل إقليمي. وبالتالي فإنها هنا تضم النظام السوري إلى جانبها، وتؤلّبه على حليفته إيران ذات العداء التقليدي مع المعسكر الغربي، وتفتح صفحة جديدة في المنطقة.

إلا أن هذه الفرضية ضعيفة بالنظر إلى مسار العلاقات السورية الخارجية وتقاطعاتها. صحيح أن دمشق لم تعرض على قادة المقاومة الإسلامية الفلسطينية العودة إلى مكاتبهم في دمشق بعد تصريحات حول إغلاق مكاتبهم خارج فلسطين، وصحيح أنها تلتزم الصمت تجاه أية ضربة عسكرية تجاه المصالح الإيرانية في البلاد، وصحيح أنها تنظر بعين المنفعة إلى العدوان الإسرائيلي على غزة ليكون بوابة لتحريك مياه الملف السوري الراكدة وإعادة ترتيب علاقاته مع دول المنطقة، ولا سيما دول محور المقاومة، والخليج العربي؛ إلا أن دمشق لا يمكن أن تفك ارتهانها بدولة مثل إيران، وقد كانت ثاني أكبر داعم لها (بعد روسيا) في الحرب الدائرة منذ أزيد من عقد، وكانت قد أمدتها بما يقارب 50 مليار دولار وفق صفقات لتخفيف النتائج الكارثية للعقوبات الأميركية على البلاد.

ورغم وجود شكوك حول خلافات مبطنة مع قادة إيرانيين، خصوصًا بعد اغتيالات متكررة لضابط من الصف الأول للحرس الثوري في دمشق، وقصف مقر السفارة الإيرانية، ورغبة طهران بسحب عدد من ضباطها خارج سورية، ووجود تذمر واضح على المستوى الشعبي في سورية من الوجود الإيراني في البلاد (لا سيما بسبب الانتشار بين الأحياء المدنية)، إلا أن العلاقات لا تزال قائمة والتبادلات الاقتصادية تسير بطبيعة الحال، وهناك اتفاق على خطة تعاون عسكري ثلاثي (إيراني-روسي-سوري) بما يضمن دفاعًا مشتركًا، وخطة تحسين للطائرات الإيرانية واختبارها في سورية، الأمر الذي يزيح شكوك تدخل أميركي لفض الشراكة السورية الإيرانية وتقديم ضمانات لدمشق في حال تخليها عن محور المقاومة.

على المستوى الروسي، وبصفتها أكبر قوة تدعم النظام السوري، فإن صراعها مع أميركا من شأنه أن يمنع أية خطوة حقيقية تجاه التقارب الأميركي السوري، ولو كان عن طريق أي من الملفات في المنطقة، ولا سيما بعد تصاعدت حدة التوتر بين موسكو وواشنطن بعد نشر الأخيرة قوات ومعدات لوجستية ونوعية في قواعدها في المنطقة الشرقية من سورية من دير الزور وصولاً إل الحسكة. بين موسكو وواشنطن عدة قضايا أعقدها حديثًا الملف الأوكراني، والمساومات حوله مفتوحة، ولكن فيما إذا استمر فشل تنفيذ ضربات قوية لموسكو عن طريق قوات كييف، فإن خيار ترتيب خطة ضد القوات الروسية في سورية وارد، بما يضمن انتصارات قبل الانتخابات المزمع عقدها في نوفمبر 2024. من مصلحة روسيا العليا ألّا تخسر سورية ووجودها على رقعة استراتيجية للغاية وإطلالها وتحكمها بسواحل تطل على المياه الدافئة (حلم الأباطرة). وفي حال ارتأت دمشق أن تتخلى -فرضيًا- عن عباءة موسكو، فإن فاتورة ضخمة تنتظرها وديونًا غزيرة ستقع على كاهلها.

ربما يمكن هنا تخمين الوضع كالتالي: روسيا طلبت من سورية الالتزام بالحياد وتتبع الموقف العربي العام تجاه معركة طوفان الأقصى، واقتصار التأييد على المستوى الشعبي عبر مسيرات منددة بالعدوان على غزة كما حصل في الثالث عشر من أكتوبر في عدة مناطق في العاصمة دمشق، ولكن دون موقف رسمي مؤيد لحركة حماس وفصائل المقاومة الإسلامية، كون هذا الموقف الرسمي يقود إلى استفزاز تل أبيب، وتوسيع رقعة الحرب لتطاول بلدًا انهكته الحرب، واستنزفته اقتصادياً وعسكريًا وسياسيًا. بالإضافة إلى ذلك من شأن هذا الاستفزاز أن يقود إلى تقويض الجهود السورية نحو فتح صفحة جديدة مع الأنظمة العربية في المنطقة وعرقلة إعادة جدولة الملف السوري على أجندة الاجتماعات العربية الموحدة، وتأجيل تقديم مساعدات عربية ودولية لدمشق في ظل الانهيار الاقتصادي والتضخم الحاصل في البلاد.

أميركيًا، الملف السوري يتمتع بأهمية لا بأس بها، رغم إهماله وعدم الرغبة بحلّه، إذ إن هناك عدة ملفات تسعى الولايات المتحدة لحلها قبل الانتخابات، وأبرزها الوجود الإيراني في سورية، وملف نحو ستة مواطنين أميركيين مفقودين في سورية، أحدهم الصحفي أوستين تايس المفقود منذ عام 2012، وملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وملف غاز المتوسط، بالإضافة إلى نفط المنطقة الشرقية. وبالتالي فمن الضروري بالنسبة لها إبقاء المساومات عليها لترتيب بعض المصالح في المنطقة.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *