Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

عشيّة المؤتمر الثامن للتجمّع: استنهاض في واقع خطير

في خطوة تستحقّ التقدير، توجّه التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ ورئيسه سامي أبو شحادة إلى عدد من الأشخاص من خارج الإطار التنظيميّ للحزب، ومن مجالات مختلفة بطلب مراجعة أوراق المؤتمر الثامن وإبداء آرائهم بها. قبل الخوض في مضمون وثيقة المؤتمر، يؤكّد هذا التوجّه على رغبة في الانفتاح ناتجة عن ثقة بالنفس، وهو نهج جدير يتبع ما قام به الأخ سامي من مبادرات لورشات نقاش منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر وإعلان الحرب الإسرائيليّة على غزّة، وعلى الشعب الفلسطينيّ، والّتي شكّلت مسعى لقراءة الحالة وتشخيص التحدّيات والتفكير في أساليب العمل والأهداف المحوريّة في هذه المرحلة.

تشكّل وثيقة المؤتمر المطوّلة مسعى لتقييم التجربة المتراكمة برؤية استشرافيّة تشكّل أساسًا لإحداث انطلاقة تنظيميّة وجماهيريّة للتجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ، تكون متناسبة مع تطلّعاته في مجالات عمله المختلفة الجماهيريّة والبرلمانيّة والبلديّة والهويّاتيّة، وفي التنظيم المجتمعيّ الفلسطينيّ، تضاف إلى أدواره في نضال شعب فلسطين التحرّريّ. كما تكون متناسبة مع هويّة التجمّع السياسيّة والاجتماعيّة كما حدّدها لذاته بأبعادها الوطنيّة والتقدّميّة الإنسانيّة، وسعيًا لرؤية مبلورة تدمج أبعاد النضال والعمل السياسيّ المحلّيّ والفلسطينيّ العامّ والدوليّ، وهو ما بات ركنًا ثابتًا من نهج هذا الحزب.

بطبيعة مؤتمرات الأحزاب، فإنّها أكثر من تداولات المؤتمر من خلال جلساته فحسب، بل إنّ القيمة الإضافيّة تتجلّى في الصيغة الأوّليّة الجماعيّة الّتي تكون من مخرجات النقاشات التحضيريّة على مستوى الكوادر في الفروع والمناطق والهيئات المركزيّة، وفي اللقاءات التشاوريّة الواسعة الّتي بدأ بها التجمّع من فترة طويلة. تتضمّن الوثيقة المقدّمة إلى المؤتمر في بعض الفصول خطوطًا عريضة لبرنامج عمل، وكان من المفيد أن تحتوي جميع الفصول على هذا المركب، نظرًا للحاجة إلى رؤية استشرافيّة في واقع مليء بالتحدّيات والمخاطر، وهناك تحوّلات لا تزال في طور التشكّل والتبلور منذ السابع من تشرين أوّل/ أكتوبر 2023، وإعلان حرب الإبادة يكاد يكون من غير الممكن تشخيصها بشكل واف، وبإمكان إطار خطّة العمل أن يتيح بلورتها بناء على مسار التجربة العمليّة الشعبيّة والسياسيّة الّتي ترافقها.

من قراءتي، فإنّ التجمّع قد وضع سقفًا للتحرّك السياسيّ، وهو إنهاء الاحتلال وحلّ الدولة الفلسطينيّة في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، كما ثبت برنامجه في مركبيه القائمين على دولة المواطنين، وعلى الإدارة الذاتيّة الثقافيّة، ويذهب في ذلك إلى تصوّره للجنة المتابعة العليا برؤية مستقبليّة تقوم على الانتخاب المباشر، وتعاطيه مع الانتخابات البلديّة، ومن خلال التجربة والنقد الذاتيّ لأدائه، وإلى ضرورة تنظيم المجتمع بدءًا من تنظيمات مهنيّة تضاف إلى الحراكات الشعبيّة الجامعة وحصريًّا الشبابيّة.

ربّما كان من الحريّ في هذا الفصل التوقّف عند تشخيص طبيعة النضال في هذه المرحلة في ظلّ الحرب على غزّة، وعلى مجمل شعب فلسطين بمن فيهم فلسطينيّو 48، وما هي الأولويّات في هذه المرحلة العصيبة، فهل عدنا إلى مرحلة ما بعد عام النكبة وقيام إسرائيل إلى أولويّة النضال من أجل البقاء المهدّد إسرائيليًّا، أم أنّ البقاء غير مهدّد، وليس من الوارد المسّ به والنيل منه في مرحلة تمّت فيها مصادرة الهامش الضيّق الّذي كان لغاية تشرين أوّل/ أكتوبر 2023، والّذي أتاح حرّيّات أساسيّة حتّى وإن كانت محاصرة إلى حينه.

في هذا السياق، فإنّ معظم الحركة السياسيّة وحصريًّا التجمّع مطالبة بقراءة وافية للتحدّيات والمخاطر وأيضًا لمواطن القوّة، وكيفيّة تجاوزها مع تغيّر أدوات اللعبة الّتي كانت قائمة، إذ في معظم الاجتهادات ولقاءات التفاكر بما فيها الّتي بادر إليها التجمّع، وكان من أوّل المبادرين، هناك شبه توافق بأنّ الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه قبل السابع من تشرين أوّل/ أكتوبر، في سياق الجماهير العربيّة الفلسطينيّة في الداخل، وهو أمر له تداعياته على الهويّة الجميعة، وعلى تماسك المجتمع، وعلى دور الحركة السياسيّة. اعتقد بالإمكان في هذا الصدد استغلال المؤتمر للمبادرة إلى حوار وتفاكر بين الأحزاب والحركات السياسيّة وأوساط معنيّة، حتّى وإن كانت غير مؤطّرة. كما جاء لافتًا في معظم الفصول الانفتاح على التحالفات الوطنيّة سواء في انتخابات الكنيست أم بالعمل الجماهيريّ مع إدراك الخلافات والاختلافات والتمايزات الحقيقيّة داخل الحركة السياسيّة، وبتقديري، من الأهمّيّة بمكان تجاوز ترسّبات الانتخابات السابقة وإعطاء الأولويّة لمواجهة التحدّيات الكبرى مع ضمان ألّا تتكرّر، وفي هذا السياق ربّما يكون من المفيد التوافق بين الأحزاب المعنيّة على مرجعيّة مشتركة مقبولة جماهيريًّا، والالتفات إلى الشرائح الفعّالة، لكن غير المؤطّرة والّتي تملك قدرات للإسهام داخل الأحزاب وبين الأحزاب.

تشكّل الحراكات الشبابيّة والحركة الطلّابيّة ركنًا أساسيًّا في حياة التجمّع ومنذ تأسيسه، وأخصّ بالذكر حركة جفرا الّتي رفدت الحزب بطاقات شبابيّة قياديّة مثقّفة، وإذ يضع التجمّع أمام ناظره تجديد الانطلاقة والانفتاح، فباعتقادي كان حريًّا بهيئات التجمّع أن تدرج فصلًا خاصًّا ومتميّزًا يناقش الحالة الشبابيّة والطلّابيّة، وتمتدّ فيه إلى حركات التضامن العالميّة، خاصّة وأنّ العالم كلّه يشهد حراكًا طلّابيًّا ثوريًّا باتت فلسطين شغله الأوّل ومسؤوليّته الأولى وحجر زاوية في بلورة وعي النخب الّتي ستتبوّأ المواقع المؤثّرة في صناعة القرار السياسيّ واقتصادي والاجتماعيّ، وفي الوعي التقدّميّ القائم على الحرّيّة والعدالة، وفي خلق ثقافة سياسيّة جديدة غاية في التأثير. وهي قضايا لا بدّ أن تشغل بال الحركة الطلّابيّة والشبابيّة. كلّ هذا، ناهيك عن كون الحركة الطلّابيّة مهدّدة في الجامعات وكذلك الأكاديميّات والأكاديميّون العرب الفلسطينيّون واليهود التقدّميّون المساندون للحقّ الفلسطينيّ. الحركة الطلّابيّة ليست بحاجة إلى حماية شعبيّة، بل هي رافد للحماية الشعبيّة. هناك بعد آخر في هذا الصدد وهو أنّ الطلّاب الإسرائيليّين باتّحاداتهم يسيرون بخلاف كلّ الطلبة في العالم نحو أقصى اليمين الصهيونيّ الكهانيّ والعنصريّة وتبنّي قيم الاحتلال والاستيطان والعدوان وإنكار مطلق للحقّ الفلسطينيّ، كما تشكّل الجامعات إلى جانب الدراسة مساحة الاحتكاك المباشر اليوميّة مع الطلّاب العرب الفلسطينيّين بكلّ ما في ذلك من تحدّيات ومخاطر وفرص.

في ظلّ الحالة السياسيّة وسيطرة الذهنيّة الانتقاميّة الدمويّة الكهانيّة والصهيونيّة على الخطاب الإسرائيليّ السائد، وفي كلّ المنظومات السياسيّة والتنفيذيّة والأكاديميّة والقضائيّة، جدير بالتجمّع في تطرّقه لهذه الحالة، أن يأخذ بالحسبان التحدّيات الّتي قد تصل حدّ الوجوديّة الّتي تواجه جماهير الشعب الفلسطينيّ في الداخل، والّتي فيها استهداف حصريّ للتجمّع من ملاحقة وسعي إلى حظر مشاركته في الانتخابات البرلمانيّة، وإن كانت بعض الكوابح الّتي تمثّلت في الجهاز القضائيّ، فتبدو وقد تآكلت فاعليّتها، وباتت احتمالات الاعتماد على الجهاز القضائيّ في منع الشطب مقلّصة تمامًا، ممّا يتطلّب تفكيرًا مبدعًا في البدائل المتناسبة مع كلّ احتمال، وكيفيّة خوض الانتخابات، وقد يكون الخيار الضروريّ للحماية هو الخوض جماعيًّا متجاوزين جراح الانتخابات الأخيرة وعتاباتها الّتي توقّفت عندها، وبحقّ وثيقة المؤتمر مرّات عدّة وبتفصيل. في هذا السياق لا بدّ من مواصلة قراءة التحوّلات في المجتمع الفلسطينيّ في الداخل، وتداعيات الحالة المستدامة من الإسكات وكتم الصوت والخوف على متانة وتماسك هذا الجزء الأساسيّ من شعب فلسطين في مواجهة ما يمكن أن نطلق عليه الفصل الأكثر كثافة من النكبة.

بتقديري أنّ حزب التجمّع في مؤتمره الحاليّ يتقدّم بخطوات ملموسة نحو تعزيز تماسكه وهويّته وتمايزاته، ونحو تعزيز أثره جماهيريًّا، ونحو القيام بدوره في تقاسم الهمّ الفلسطينيّ، وهي مناسبة للتعبير عن الأمل في أن يشكّل المؤتمر انطلاقة نهضويّة. وبالنجاح.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *