Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

“عقيدة الضاحية” التي تعتبر الحواضن الشعبية أهدافا عسكرية وجهت الحرب على غزة

الحرب على غزة هي استكمال لما لم تنجزه الحركة الصهيونية عام 1948 وتعتمد على التدمير والتهجير وجعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للحياة، تحت غطاء نزع الإنسانية عن الفلسطيني، وهذا ما ظهر واضحا في الشاحنات الممتلئة بالمعتقلين العراة وبالقصف الوحشي

غزة 2023 (Getty images)

في “ورقة السياسات” التي حملت عنوان “حرب انتقام وتهجير وخطاب كراهية” وقدمت لكتاب “غزة حرب الانتقام المسعورة” الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، لفت خالد فراج مدير المؤسسة، إلى أن العنف التدميري الإسرائيلي الممنهج الذي نشهده في غزة اليوم كان قد تُرجم عسكريا في أكثر من محطة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني، مشيرًا بشكل خاص إلى ما أطلق عليه “عقيدة الضاحية” التي كان أول من عبّر عنها قائد أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق غادي أيزنكوت، والتي أضحت فيما بعد عقيدة إستراتيجية انتهجها الجيش الإسرائيلي في حروبه، وهي تقوم على استخدام القوة غير المتكافئة، أي تدمير حي أو قرية كاملة في مقابل كل صاروخ يطلق على إسرائيل، وكان المقصود في تلك الفترة قرى جنوب لبنان.

هذه الإستراتيجية، كما يقول فراج، استمدت اسمها من الضاحية الجنوبية لبيروت، ومما فعلته آلة الحرب الإسرائيلية هناك في حرب تموز/ يوليو 2006 على لبنان، وهو يتوقف عند مقابلة لأيزنكوت مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” في سنة 2008، كانت الأولى بعد تلك الحرب، يقول فيها إن “إسرائيل ستستخدم قوة مفرطة لتدمير القرى اللبنانية التي يطلق منها مقاتلو حزب الله الصواريخ على مدنها في أي حرب مستقبلية”.

ويوضح أيزنكوت وجهة نظره التي تحولت إلى عقيدة عسكرية بالقول، إن ما حدث للضاحية الجنوبية ببيروت في 2006 سيحدث لكل قرية تُطلَق منها النار على إسرائيل، ويضيف، بأن إسرائيل سنستخدم قوة مفرطة ضد القرية ذات العلاقة وتلحق بها ضررا ودمارا كبيرين، ومن وجهة نظرنا، هذه لن تكون قرى مدنية، بل قواعد عسكرية.

وينهي فراج اقتباسه لأيزنكوت وهو يقول “هذه ليست توصية، إنها خطة، وقد تم إقرارها”، ويبدو اليوم أن هذه العقيدة هي التي صار ينتهجها الجيش الإسرائيلي في حروبه، وهو ما نشاهده، وفق فراج، في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مشيرًا إلى أن أحد تجليات هذه العقيدة في العقل الإسرائيلي، منذ ما قبل الحرب، يظهر في ما يكتبه المعلقون الإسرائيليون الذين اعتبر بعضهم أنه “لا يوجد مدنيون غير ضالعين في القتال في غزة”.

وتعكس هذه العقيدة وغيرها من العقائد والمقولات والأفعال العسكرية التدميرية جوهر الفكرة الصهيونية التي تقوم على القتل والتهجير والحطّ من إنسانية الإنسان وكرامته، ولا يمكن قراءتها بمعزل عن ذلك، كما لا يمكن قراءة ما يجري في قطاع غزة من حرب تدميرية وتهجيرية بمعزل عنها، فيما يتم تسويغ هذا التدمير المنفلت من كل عقال، على حد تعبير فراج، من خلال مقولات وشعارات وخطابات إعلامية تروج لفكرة أن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم.

خالد فراج مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية

لإلقاء الضوء على الورقة والكتاب أجرينا هذا الحوار مع خالد فراج مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

“عرب 48”: من المفارقة أن يكون غادي أيزنكوت الذي بدى كأحد الرموز المعتدلة في جنون هذه الحرب الانتقامية على غزة، هو من صمم غقيدتها العسكرية التدميرية؟

فراج: في البداية دعني أشير إلى الكتاب الذي صدر تحت عنوان “غزة وحرب الإبادة المسعورة” ضم 70 ورقة سياسات كُتبت من قبل باحثين ومختصين في مجالات متعددة، كانت قد صدرت تباعا منذ بداية تشرين ثاني/ نوفمبر، نشرت باللغة العربية ونشر بعضها باللغتين الإنجليزية والفرنسية، على موقع المؤسسة وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث غطت مجموعة من القضايا الحيوية المتصلة بالحرب وتداعياتها على مرافق الحياة في قطاع غزة، شملت التعليم والثقافة والإعلام والصحة وغيرها، ومن بين هذه الأوراق ورقة لنور مصالحة حول مخططات الترانسفير التي عادت إلى الواجهة مرة أخرى، وماهر الشريف الذي كتب عن ترحيل الفلسطينيين وورقة دومينيك فيدال وهو فرنسي الأصل عن جذور الإرهاب الصهيوني وكذلك نورا عريقات عن طلب إسرائيل استثائها من الإبادة الجماعية.

كما ضم أوراقا حول القدس والأغوار والأسرى والـ48 وآليات السيطرة في الضفة الغربية، والكتاب هو جزء من نشاط المؤسسة المرتبط بتوثيق الحرب على غزة، وذلك تطبيقا للقرار الذي اتخذناه منذ اليوم الثاني للحرب عبر مكاتبنا في فلسطين ولبنان والولايات المتحدة بالقيام بتوثيق الحرب.

وإلى سؤالك، فقد سمعنا قبل أيام خبر استقالة أيزنكوت هو وغانتس من مجلس الحرب، وغني عن البيان أن الأخير هو مجرم حرب مسؤول عن مجزرة الشجاعية التي اقترفها جيشه في العدوان على غزة عام 2014 عندما كان قائدا للأركان، لكن صاحب “عقيدة الضاحية” التي اعتمدت في الحرب على غزة هو أيزنكوت الذي استنبط بعد حرب 2006 على لبنان وفي ضوء التدمير الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي خلالها، فكرة التدمير غير المتوازن واستعمال القوة المفرطة وتدمير التجمعات السكنية التي تنطلق من قلبها المقاومة ومعاملتها معاملة القواعد العسكرية مسترشدا بنموذج الضاحية التي هدمتها إسرائيل بالكامل تقريبا.

ولكي نضع الأمور في سياقها فإن الورقة التي كتبتها ووضعت مقدمة للكتاب الذي ضم 70 ورقة سياسات كتبت من قبل مجموعة من الكتاب والأكاديميين وصدر بعنوان “غزة – حرب انتقام مسعورة”، ترى أن الحرب على غزة هي استكمال لما لم تنجزه الحركة الصهيونية عام 1948 وتعتمد على التدمير والتهجير وجعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للحياة، تحت غطاء نزع الإنسانية عن الفلسطيني، وهذا ما ظهر واضحا في الشاحنات الممتلئة بالمعتقلين العراة وبالقصف الوحشي وبقطع الماء والكهرباء والغذاء عن أهالي القطاع.

ولإسباغ شرعية على هذه الممارسات جرى تشبيه الفلسطينيين بـ”الحيوانات البشرية”، وهي فكرة مرتبطة بصورة العربي والفلسطيني في العقل الإسرائيلي، حيث سبق أن قرأنا مثل هذه التشبيهات في الأدب وأدب الأطفال الصهيوني، وسمعناها سابقا من العديد من السياسيين ورجال الدين الإسرائيليين، أمثال رفائيل إيتان والحاخام عوفاديا يوسف، وهي تستهدف نزع إنسانية الفلسطينيين وتحقيرهم ونزع الشرعية الإنسانية عنهم وبالتالي الإمعان في قتلهم.

“عرب 48”: المقصود إعطاء شرعية لحرب الإبادة الجماعية؟

فراج: صحيح، لقد فشلوا في التهجير فعمدوا إلى تدمير كل مرافق الحياة لجعل مناطق القطاع غير قابلة للحياة، إلى جانب ترويع الناس من خلال القصف والقتل وارتكاب المجازر لدفعهم إلى النزوح، وبالرغم من ذلك فشلوا في تهجير فلسطيني واحد إلى خارج قطاع غزة رغم تحويل أكثر من نصف سكان القطاع إلى لاجئين داخله، بعضهم يلجأ للمرة الثانية أو الثالثة.

وكما هو معروف فإن فكرة التهجير هي فكرة تقع في مركز العقيدة الصهيونية، مارستها عصاباتها على نطاق واسع خلال نكبة 48 ولم تنته هناك بل ظلت قائمة بانتظار فرصة سانحة أخرى لممارستها، وقد وجدت إسرائيل في الحرب على غزة فرصة سانحة لتنفيذ هذا المخطط عبر المذابح والترويع، إلا أنهم فشلوا بسبب صمود أهالي غزة وإصرارهم على البقاء في وطنهم.

“عرب 48”: عودة إلى موضوع توثيق الحرب الذي سبق أن أشرت إليه ما هي مشاريعكم الأخرى على هذا الصعيد؟

عملية التوثيق تجري عبر عدة أدوات حيث قمنا في هذا الإطار بإصدار “يوميات الحرب” وهي نشرة يومية تصدر على موقع المؤسسة، وتتناول أهم الأحداث والمواقف العربية والإسرائيلية والفلسطينية والدولية المتصلة بالحرب، كما قمنا بتسمين نشرة “مختارات من الصحافة العبرية” التي بدأنا بإصدارها خلال حرب 2006 على لبنان وتواصل إصدارها، حيث ضاعفنا أعداد المقالات والتقارير المترجمة وكثفنا العمل عليها كما ونوعا في ضوء ازدياد عدد متابعيها لأن القراء بحاجة إلى مثل هذه المواد.

بموازاة ذلك قامت المؤسسة على مدار الأشهر الثمانية الماضية بعقد عشرات الحوارات والندوات والمحاضرات الوجاهية والافتراضية المتصلة بموضوع الحرب، كذلك فتح موقع المؤسسة مدونته لعشرات المقالات المتصلة بتحليل الحرب والأوضاع في الضفة الغربية وفي مناطق 48 وفي السجون.

كذلك قمنا بإصدار طبعة عربية محدثة لكتاب “حماس – صمود المقاومة ومحاولات الاحتواء”، للباحث طارق البقعوني والذي كان قد صدر باللغة الانحليزية عام 2018، بعد تحديثه من قبل المؤلف في ضوء أحداث السابع من أكتوبر والحرب على غزة.

كما بدأنا بمشاريع توثيق للقطاعات الحيوية التي تم تدميرها وعلى رأسها القطاع الصحي وقطاع التعليم وتدمير قطاع الزراعة وقطاع الثقافة وغيرها من القطاعات، وبالنظر إلى أن هدف الحرب هو جعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للحياة فإننا نوثق كل مستشفى تم تدميره وكل قطعة أرض جرى تجريفها، والخراب الذي لحق بقطاع الزراعة والثروة الحيوانية وصيد الأسماك وتسمم التربة، والمسارح والمراسم التي دمرت والأطباء الذين استشهدوا والذين اعتقلوا، وهو مشروع سيرى النور قريبا.

وبطبيعة الحال فإن منصاتنا الأخرى مثل “مجلة الدراسات الفلسطينية” باللغتين العربية والإنجليزية و”فصلية القدس” فتحت صفحاتها لتغطية الحرب، حيث صدر عددان من مجلة الدراسات الفلسطينية بالعربية تم تخصيصهما للحرب وسيصدر العدد الثالث قريبا.


خالد فراج: المدير العام لمؤسسة الدراسات الفلسطينية وعضو لجنة الأبحاث فيها، وعضو في هيئة تحرير “مجلة الدراسات الفلسطينة”. له مجموعة من التحقيقات حول واقع المدن والمخيمات في الأراضي الفلسطينية؛ وساهم في تحرير كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي المعاصر لفلسطين (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007).


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *