Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

كيف تستخدم الدول محاصيل القمح لبسط هيمنتها إستراتيجيًّا؟

خلال الحقب الاستعماريّة، استغلّت قوى أوروبيّة إنتاج القمح في مستعمراتها، وذلك من أجل السيطرة على السكّان المحليّين

يُعتبر القمح واحدًا من أهمّ السلع الزراعيّة في العالم، والتي تعتبر أيضًا “سلعة إستراتيجيّة”، نظرًا لأنّه أكثر الموادّ الغذائيّة استهلاكًا حول العالم، كما يلعب دورًا حاسمًا في الحرب الإستراتيجيّة بين الدول العظمى، كوسيلة للسيطرة على الشعوب وإخضاعها وسلب مقدّراتها، منذ الحضارات القديمة وحتّى يومنا هذا.

خلال الحقب الاستعماريّة، استغلّت قوى أوروبيّة إنتاج القمح في مستعمراتها، وذلك من أجل السيطرة على السكّان المحليّين، بحسب بحث أجراه الباحث سيدني دبليو، والذي كان قد بحث الديناميكيّات الاستغلاليّة لزراعة القمح، واحتكار تجارته، وهو ما نشأ عنه لاحقًا التبعيّة الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة، حيث على سبيل المثال، تمّ استخدام برامج المعونة الغذائيّة على نطاق واسع، كواحدة من أدوات الضغط السياسيّ، ففي أثناء الاستعمار البريطانيّ للهند، كان للقمح دور كبير في القهر الذي فُرِض على السكّان المحلّيين، حيث كان التاج البريطانيّ قد فرض سياسات اقتصاديّة قاسية، هدفت إلى تحويل الهند إلى مورّد رئيسيّ للإمبراطوريّة البريطانيّة، وهو ما أدّى لاحقًا إلى نقص في الغذاء، وحدوث مجاعات في أنحاء واسعة من الهند، نظرًا للفرض البريطانيّ الذي يقضي بتصدير الإنتاج الهنديّ من القمح إلى الإمبراطوريّة، وتجسّدت هذه السياسات الاستعماريّة الاقتصاديّة، في التسبّب في مجاعة البنغال عام 1943، والتي ذهب ضحيّتها ما يقدّر بـ3 ملايين إنسان.

ومن الأمثلة الهامّة على سيطرة الدول القويّة على صادرات القمح، والتي خضعت لأبحاث ودراسات كثيرة، كانت سيطرة القوى الاستعماريّة الأوروبيّة في مستعمراتها في أفريقيا، حيث تمّ إجبار الفلّاحين على زراعة المحاصيل من أجل تصديرها للعواصم الأوروبيّة، وهو ما أدّى إلى تقويض الأمن الغذائيّ في القارّة الأفريقيّة. وعلى مرّ السنين، واجهت البلدان النامية ضغوطًا كبيرة من المؤسّسات الماليّة الكبيرة، مثل البنك الدوليّ، أو صندوق النقد الدوليّ، من أجل تبنّي “سياسات اقتصاديّة ليبراليّة”، وغالبًا ما تتلخّص هذه المطالب بشروط للحصول على المساعدات والقروض، وهو ما يوفّر الهيمنة والسيطرة للشركات متعدّدة الجنسيّات، ويديم التبعيّة الاقتصاديّة لهذه الدول.

بسبب “اقتصاد القمح” والذي تسيطر عليه الولايات المتّحدة الأميركيّة بشكل أساسيّ، تتسبّب التقلّبات التجاريّة بين البلدان على واردات القمح، والتي تعتمد بشدّة على هذه المحاصيل. وفي دراسة أجراها باحثون في جامعة “إنديانا”، أثبتت أنّ المضاربة والسيطرة على أسواق القمح ساهمت في ارتفاع الأسعار، ممّا أدّى إلى تفاقم الفقر والاضطرابات الاجتماعيّة والسياسيّة في الدول النامية.

وبحسب باحثين، فإنّ صندوق النقد الدوليّ لا يتحكّم بشكل مباشر في صادرات القمح، إلّا أنّ سياساته وشروطه، من الممكن أن تؤثّر بشكل غير مباشر على الأسواق العالميّة، ومنها محاصيل القمح. وفي كثير من الاتّفاقات مع الدول النامية، طالب صندوق النقد الدوليّ “تحرير الاقتصاد” و”إصلاحات اقتصاديّة” و”تدابير التقشّف”، والتي أدّت إلى عواقب كارثيّة على الأمن الغذائيّ، كما حدث في أثيوبيا بين عام 1984 و1985، حيث واجهت البلاد مجاعة شديدة أودت بحياة مئات الآلاف من الناس، حيث ساهمت سياسات صندوق النقد الدوليّ في ضعف البلاد، وإفلاس صغار المزارعين وانخفاض الإنتاج، وهو ما تكرّر أيضًا في فترة التدهور الاقتصاديّ الكبير التي شهدتها زمبابوي، والتي كانت مصحوبة بالتضخّم المفرط وانهيار العملة المحليّة.

دبابة في حقول قمح أوكرانيّة (Getty)

منذ أن نشبت الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، توالت التحذيرات الدوليّة من احتمال حدوث مجاعات أو ركود اقتصاديّ في أنحاء مختلفة من العالم، كما صرّح رئيس البنك الدوليّ، ديفيد مالباس، حيث قال إنّ اقتصاد “ألمانيا، وهو رابع اقتصاد في العالم، تباطأ بشكل رهيب بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، والقمح، وقال إنّ انخفاض إنتاج الأسمدة سيزيد الأوضاع سوءًا في مناطق أخرى. وأشار برنامج الأغذية إلى أن “قبل شهر من اندلاع الصراع في أوكرانيا، ارتفع سعر دقيق القمح بنسبة 47 بالمئة في لبنان و11 بالمئة في اليمن، 15 بالمئة في ليبيا، 14 بالمئة في فلسطين، وتقريبا 10 بالمئة في سوريا”.

وتواجه دول عربية كثيرة، تعتمد على استيراد القمح الروسي والأوكراني، تحديا كبيرا لضمان إمداداتها، في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا والعقوبات الغربية الواسعة المفروضة على موسكو.

ويرى مراقبون أن التداعيات تختلف حسب كل دولة، فعلى المدى القصير فإن أكثر الدول تضررا هي لبنان واليمن، أما على المدى المتوسط فهناك مخاوف من كارثة كبيرة خصوصا في مصر التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *