Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

المرأة كحاملة للفصيلة الفلسطينية في واجهة حرب الإبادة

المرأة الفلسطينية التي تحملت تاريخيا القسط الأكبر من الألم والمعاناة نتيجة الاحتلال والاقتلاع والتهجير الذي لحق بشعبها على امتداد مراحل القضية الفلسطينية، تظهر في غزة اليوم بكل جلالها وبكامل هيئتها التي رسمها غسان كنفاني في رواية “أم سعد” وهي تدفن زوجها وبعض أبنائها، ثم تنهض وتجرف الرمل لتحمي الخيمة من مياه المطر وتلملم قشاقيش الحطب لتشعل النار وتحضر الطعام من العدم لما تبقى من أطفالها لتصنع جيل جديد يواصل المسيرة.

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”

نحو تسعة آلاف شهيدة من النساء منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، من إجمالي عدد الشهداء البالغ 30,878 شهيدًا، و75% من إجمالي عدد الجرحى البالغ 72,156 جريحَا هم من الإناث، وتشكل النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين البالغ عددهم 7 آلاف شخص، بينما بلغ عدد المعتقلات من قطاع غزة حتى نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، 260 معتقلة من قطاع غزة صُنفن مقاومات، وفق إعلان إدارة سجون الاحتلال.

وتواجه النساء الفلسطينيات تحديات إضافية، مع وجود حوالي 60 ألف امرأة حامل في القطاع، بمعدل 180 حالة ولادة يوميًا، من المرجح أن تعاني نحو 15% منهن مضاعفات الحمل والولادة التي يصعب علاجها بسبب نقص الرعاية الطبية، ناهيك عن أن عدد الولادات المبكرة لدى النساء قد ارتفع بنسبة الثلث تقريبًا بسبب عوامل مثل التوتر والصدمات، كما ازدادت حالات الإجهاض بنسبة 300% نتيجة الخوف.


لإلقاء الضوء على أشكال الحرب التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية، أجرينا هذا الحوار مع المديرة التنفيذية في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار والديمقراطية “مفتاح”، *د. تحرير الأعرج.

عرب 48: في يوم المرأة العالمي تتقزم كل المشاهد أمام مشهد الإبادة الجماعية التي تتعرض لها نساء غزة وأطفالها وسائر أفراد الشعب الفلسطيني هناك، دون أن تهتز “قصبة” مواثيق معاهدات ومنظمات ومراكز حقوق المرأة وحقوق الإنسان في “العالم الحر”؟

د. تحرير الأعرج

الأعرج: نحن كنسويات فلسطينيات كان لنا حراكنا في كل يوم مرأة الذي يصادف الثامن من آذار سنويا، وكان لدينا قائمة من الحقوق التي نطالب بها وننتزعها تطول سنة بعد أخرى، لكن اليوم ونساء غزة تباد، هناك حداد طويل الأمد على امتداد الوطن، ونحن غاضبات، ثائرات ويوجد لنا مطلب أساسي هو وقف حرب الإبادة على قطاع غزة.

إنها حرب إبادة لكل مكونات المجتمع الفلسطيني وفي صميمها إبادة إنجابية، بمعنى أن النساء هن الحاملات للفصيلة الفلسطينية وهن اللواتي ينجبن الهوية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وبالتالي هناك تسليط لآلة القتل الصهيونية الإسرائيلية على أرحام نسائنا الفلسطينيات لأن هذه إبادة إنجابية.

صحيح أن حرب الإبادة تطال كل الشعب الفلسطيني من أطفال خدج وغير خدج وشيوخ ورجال، لكن النساء مثلما كان في الحروب السابقة أيضا، في قلب هذه المعاناة، بسبب استهداف أماكنها الآمنة من المنازل إلى المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، والمرأة هي شاهدة على إبادة أبنائها وأطفالها سواء بالتجويع والتعطيش أو الإعدامات الميدانية وعمليات القنص التي يمارسها جنود الاحتلال.

النساء كن أيضا في مرمى القناصة أثناء النزوح، وحتى النساء المسنات والحوامل، هناك نساء حوامل في أشهر متقدمة كنا يمشين مسافات طويلة وخلفهن أطفالهن الصغار، ومنهن من نجت ومنهن من تم قنصها وإعدامها مع أطفالها أيضا.


في كثير من الأحيان كان جنود الاحتلال يأمرون النساء بخلع ما تلبسه من حلي وما معها من مال ورميها في الشارع، ومواصلة المسير، وإذا ما قامت هي أو أحد أولادها بالانحناء لأخذ المصاغ، يتم قنصه وقتله على الفور، وفي حال حاولت المرأة الدفاع عن طفلها أو زوجها يتم قتلها بدم بارد.

عرب 48: يبدو أن القتل قد تحول إلى هدف بحد ذاته في حرب عنوانها الكبير الإبادة الجماعية؟

الأعرج: عندما نتجاوز الـ31 ألف شهيد بينهم نحو 9000 امرأة، عدا عن الآلاف من الذين ما زالوا تحت الأنقاض، إضافة إلى ما يقارب من 80 ألف جريح وجريحة، هذا يعنى أن هناك إمعانا في القتل وإمعانا في قتل النساء من طبيبات وممرضات وصحفيات، لأن إبادة النساء تعني إبادة الوجود الفلسطيني.

هناك في غزة 546 ألف امرأة في سن الإنجاب أي بين 15- 49 عاما، هؤلاء يواجهن كل أنواع الانتهاكات، في كل ساعة تقتل اثنتين من الأمهات الفلسطينيات في ظل استمرار حرب الإبادة، هناك 2,790 امرأة أصبحن أرامل خلال العدوان الأخير، إضافة إلى 1000 أرملة شهيد من الحروب السابقة على غزة، ولك أن تتخيل أن يتحول هذا العدد من النساء إلى ربات أسر في ظل واقع مرير لا يتوفر فيه لا المأكل ولا المشرب ولا أي شيء آخر من مقومات الحياة، واقع لا تستطيع الأسر التي لم تفقد الزوج من الصمود فيه، فما بالك بمن أصبحن بين ليلة وضحاها مسؤولات وحيدات عن إيجاد الطعام والشراب لأولادهن في ظل سياسة تجويع وتعطيش ممنهجة.

هناك أيضا استهداف النساء بالاعتقال، وهذا لم يسبق له مثيل في الاستباحة لأجساد النساء، ويتمثل بتعرية النساء وتجريدهن من ملابسهن وإدخالهن على الرجال وهن بالملابس الداخلية وصولا إلى التحرش والاعتداءات الجنسية والتهديد بالاغتصاب، وكل ذلك وفق شهادات موثقة.

كما لا يسمح حتى الآن للمؤسسات التي تتابع قضايا المعتقلين والمعتقلات بزيارة النساء الفلسطينيات المعتقلات من قطاع غزة، بادعاء أنهن أسيرات حرب، ولا يمكن معرفة أي تفاصيل عن ظروف وأسباب وأماكن اعتقال الأسيرات من قطاع غزة رغم مرور خمسة أشهر على اعتقال بعضهن.


كما تمعن قوات الاحتلال في اعتقال أمهات الأسرى حتى في الضفة الغربية، حيث باتت تعتقل أم الأسير أو زوجته أو أخته للضغط عليه، وذلك دون إقامة اعتبار للسن، ناهيك عن استباحة البيوت في الضفة الغربية، هناك نساء اقتحموا بيوتهن بالخليل لاعتقال أولادهن وقاموا بتعريتهن بالكامل أمام أطفالهن، هذا إضافة إلى استباحة النساء على الحواجز.

عرب 48: هناك تخطي وكسر لكل الحدود التي كانت قائمة حتى في الضفة الغربية؟

الأعرج: ما يحصل غير مسبوق وتخطى كل حدود سابقة، حيث يقوم المستوطنون بضرب الناس على الحواجز تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، كما تجري مضايقات ومحاولات منع الطلاب من الذهاب إلى مدارسهم، وفي مسافر يطا يقومون باعتقال أطفال بعمر عشر سنوات وضرب النساء.

المستوطنون يستبيحون القرى والحقول والمزروعات بحراسة جيش الاحتلال؛ وفي القدس، النساء اللواتي يدخلن للصلاة في الأقصى يتم الاعتداء عليهن وضربهن دون مراعاة لحرمة السن.

النساء في غزة اللاتي يضطررن للمرور بعمليات ولادة قيصرية دون تخدير بسبب نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات، ومنهن من يضطررن لاستئصال الرحم بعد الولادة الأولى لوقف النزيف، والنساء في سن الحيض يفتقرن إلى الوسائل الصحية الضرورية، وهناك نساء تعاني النزيف بسبب الافتقار إلى إمكانية معالجة وسائط منع الحمل، وهناك نساء حوامل أجهضن بسبب سوء التعذية نتيجة لشح الغذاء والمياه، وهناك نساء مرضعة لا تستطيع توفير الحليب الطبيعي ولا الاصطناعي لأطفالها لهذا السبب، وهناك أطفال يموتون لقلة الماء والغذاء، تحديدا في شمال القطاع.

عرب 48: تبدو الحرب على عزة كأنها صورة مصغرة أو مكبرة عن المعاناة التاريخية للشعب الفلسطي بكل تفاصيلها، أو مشهد معاد يختصر تاريخ الصراع الذي يمتد على أكثر من مئة عام، ويبدو أننا أمام نكبة متجددة تجري على مرأى ومسمع من العالم الذي سقطت كل قيمه ومواثيقه وقوانينه الإنسانية تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية؟

الأعرج: أنا اعتبر أن ما يجري هو حرب كونية على 365 كم2 هي مساحة غزة وعلى كل الشعب الفلسطيني، فنحن في الضفة نسمع كل يوم عن عشرة شهداء في جنين وسبعة شهداء في عقبة جبر وثمانية شهداء في طولكرم، ما يبدو أنه استباحة للوجود الفلسطيني في كل مكان، حتى في أراضي الـ48، هناك سياسة اعتقالات وتكميم أفواه.


برأيي أن هذه الحرب كاشفة، وضعت الإنسانية ومنظومة حقوق الإنسان وأدواتها وأجسامها على المحك، من مجلس حقوق الإنسان مرورا بالأمم المتحدة وحتى محكمة العدل الدولية التي برغم كل المرافعات التي انتصرت لقضيتنا ومع كل الاحترام لجنوب أفريقيا، فإنه دون قرار ملزم بوقف حرب الإبادة، فإن ذلك يبقى حبرا على ورق.

رغم تقديرنا العميق لخطوة جنوب أفريقيا وكونها خطوة بالاتجاه الصحيح، ورمزية هذه الخطوة كونها تأتي من جنوب أفريقيا، ولكن حتى الآن لم ينتصر لقضيتنا ولوقف إبادتنا سوى الشعوب، وليس الدول والمؤسسات، لا دول إسلامية ولا عربية بل إن الأنظمة العربية الرجعية هي شريكة في حرب الإبادة لأن صمتها وتواطئها هو مشاركة في إبادة شعبنا بهذه القباحة وهذا السفور وهذا الفجور.

وبالتالي لا “1325 – أجندة المرأة والسلام” وفرت حماية لنسائنا الفلسطينيات، ولا وفرت مساءلة لجيش الاحتلال الذي يمارس كافة أشكال الجرائم بحق نسائنا الفلسطينيات، وطالما هناك إفلات من العقاب لدولة الاحتلال، لن تتوقف عن ملاحقتنا وإبادتنا كنساء وشعب فلسطيني، هذا على الرغم من ظهور بعض التقارير مؤخرا، مثل تقرير المقررات الأمميات الذي تحدث عن التحرش والاعتداءات الجنسية واغتصاب داخل السجون وتجويع وتعطيش.


*د. تحرير الأعرج: أكاديمية وناشطة نسوية متخصصة في تنمية المجتمع وقضايا النوع الاجتماعي، حاصلة على الدكتوراه من جامعة إلينوي الأميركية وتعمل مديرة تنفيذية في المبادرة الفلسطينية لتعزيز الحوار العالمي والديمقراطية – مفتاح، وأستاذة مساعدة في قسم علم الاجتماع ومعهد درسات المرأة في جامعة بير زيت.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *