Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

تقدير موقف | الأحزاب العربيّة في الداخل بين مطرقة حرب الإبادة وسَدّان حكومة إسرائيل

حرب الإبادة على غزّة، وتصرُّف القبيلة اليهوديّة الداعم للحرب وأهدافها في كلّ الجبهات، وسياسات الإخراس والترهيب المعمول بها تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل، تشير إلى حدوث تحوُّل جِدّيّ في تعامل الدولة مع المواطنين الفلسطينيّين، باتّجاه تقليص هامش العمل السياسيّ وحرّيّة التعبير عن الرأي والاحتجاج، وتفريغ معاني ومضمون المواطَنة، المشروطة أصلًا، التي مكّنتهم في السابق من العمل على هامش السياسة الإسرائيليّة. هذه التحوُّلات تطرح أسئلة جوهريّة حول مكانة الفلسطينيّين في إسرائيل وحول حيّز العمل السياسيّ المتاح لهم.

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”

تتمحور ورقة الموقف هذه حول تعامُل الحقل السياسيّ الفلسطينيّ في الداخل، أي الأحزاب والحركات السياسيّة العربيّة الأساسيّة الفاعلة، ولجنة المتابعة العليا على رأسها، مع الإسقاطات السياسيّة للحرب على غزّة ومع السياسة المنتهَجة تجاه المجتمع الفلسطينيّ عامّة وداخل الخطّ الأخضر خاصّة، ولا سيّما خلال الحرب.

تُبيّن ورقة الموقف أنّ غالبيّة الأحزاب العربيّة ولجنة المتابعة عارضت الحرب على غزّة، ووقفت ضدّ قتل المدنيّين والأبرياء في غزّة وضدّ سياسة الإخراس والترهيب المنتهَجة تجاه الفلسطينيّين في الداخل منذ بداية الحرب، وإنْ بتفاوت. بَيْدَ أنّ تعامل الأحزاب العربيّة مع الواقع الجديد والتحوُّلات كان متواضعًا وخجولًا، ولم يشكّل تحدّيًا للسياسات والممارَسات الحكوميّة، ولم تتعمّق الأحزاب العربيّة في معاني وإسقاطات تلك التحوُّلات. في المجْمَل، لم تؤدِّ الحرب على غزّة حتّى الآن إلى دفع الأحزاب السياسيّة لإعادة النظر في طروحها أو إستراتيجيّاتها، أو على الأقلّ إعادة قراءتها في ضوء الحالة الجديدة التي قد تكون مؤسِّسةً لمرحلة جديدة في العلاقة مع إسرائيل، بل إنّها استمرّت في قراءتها السابقة للواقع السياسيّ في إسرائيل وفي طرحها السياسيّ.

حالة الطوارئ أداة للقمع السياسيّ

منذ اليوم الأوّل للحرب، تعاملت المؤسَّسة الإسرائيليّة مع المواطنين الفلسطينيّين على أنّهم عدوّ وساحة حرب محتمَلة، وبدأت بتنفيذ سياسات تهديد وإخراس وترهيب تجاه المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل، بغية منع أبنائه من الاحتجاج ضدّ الحرب بل حتّى من التعبير عن مواقف معارِضة للحرب ورافضة للقتل والدمار، ومسانَدة المدنيّين في غزّة، وأدّى بها الأمر إلى محاربة مشاعرهم وقمعها. استغلّت الحكومة حالة الطوارئ والصدمة، والأزمات الناجمة عنهما، لمحو الهامش السياسيّ الذي استخدمه الفلسطينيّون في إسرائيل لممارسة أبسط حقوقهم، ولفرض حدود جديدة للتعبير والعمل السياسيّ، ولأدوات الاحتجاج المتاحة.

في الفِقرات التالية، نتابع ردود وتعامل الأحزاب العربيّة ولجنة المتابعة العليا (الجسم التمثيليّ الأعلى للمواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل -وهي تضمّ الأحزاب والحركات السياسيّة كافّة) مع الحرب على غزّة ومع معانيها السياسيّة، ومع السياسات المنتهَجة تجاه المجتمع الفلسطينيّ.

الحزب الشيوعيّ والجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة

أبرز مواقف الحزب الشيوعيّ والجبهة كانت: معارضة الحرب؛ رفض واستنكار قتل المدنيّين من الجانبَيْن، الفلسطينيّ والإسرائيليّ؛ المطالَبة بإطلاق سراح الأسرى والمخطوفين بصفقة تبادل؛ التصدّي للفاشيّة؛ التصدّي لسياسة الإخراس والملاحَقة للفلسطينيّين في الداخل؛ تحميل حكومة اليمين مسؤوليّة الأحداث دون التطرُّق إلى الإجماع الإسرائيليّ القائم الداعم للسياسات الحكوميّة، ومن ضمنه أحزاب المعارضة؛ التشديد على أهمّيّة وتعزيز العمل والنضال اليهوديّ العربيّ.

في اليوم الأوّل لأحداث السابع من تشرين الأوّل، أصدر الحزب الشيوعيّ والجبهة بيانًا جاء فيه: “في هذه الأيّام القاسية – نكرّر استنكارنا لأيّ اعتداء على المدنيّين العزَّل وندعو إلى إخراجهم من دوائر الدم… نبعث بتعازينا إلى عائلات ضحايا الاحتلال، عربًا ويهودًا على حدّ سواء”. ويحمّل “الحزب الشيوعيّ والجبهة، حكومة اليمين الفاشيّ، كامل المسؤوليّة عن التصعيد الحادّ والخطِر الذي حصد في الساعات الأخيرة حياة الكثير من المواطنين العزّل […] أحداث هذا اليوم تشير إلى الاتّجاه الخطير الذي تقود إليه، حكومة نتنياهو وشركائه من فتْية التلال، المنطقة كلّها، وتؤكّد بأنّه لا توجد أيّ آليّة لإدارة الصراع أو حسمه عسكريًّا – إنّما هنالك حلّ واحد ووحيد، إنهاء الاحتلال وإحلال السلام العادل، وهما مصلحة واضحة ومشترَكة لشعبَيْ هذه البلاد”.

فضلًا عن هذا، حذّر الحزب الشيوعيّ والجبهة من اتّخاذ خطوات انتقاميّة ضدّ المواطنين العرب في إسرائيل، ولا سيّما في المدن المشترَكة وفي القرى غير المعترف بها في النقب؛ فقد جاء في البيان ذاته: “في هذا الواقع، من واجب القوى العقلانيّة في إسرائيل، العربيّة واليهوديّة على حدٍّ سواء، أن ترفع صوتًا واضحًا ضدّ كلّ محاولة للتحريض ضدّ شرائح سكّانيّة كاملة أو محاولات أخذ المواطنين القانون لأيديهم، والمبادرة إلى تحرُّكات مشترَكة، تؤكّد على التطلّع إلى حياة طبيعيّة، بلا احتلال، تمييز وفوقيّة – إنّما حياة مؤسَّسة على السلام والمساواة والديمقراطيّة الجوهريّة للجميع”.

عقد الحزب الشيوعيّ والجبهة اجتماعًا شعبيًّا في 19/10/2023 في مدينة سخنين، كرّر فيه موقفَ الجبهة والحزب الشيوعيّ المطالِبَ “بإيقاف الحرب فورًا وإخراج المدنيّين كلّهم من دائرة الدم ولإبرام صفقة لتبادل الأسرى، الرهائن والمخطوفين، ولإسقاط المخطَّطات التي تجاهر بها السلطات الإسرائيليّة لشنّ عدوان برّيّ وفرض التهجير القسريّ على الأهل في غزّة”. وقد جاء الاجتماع -وَفقًا لبيان الجبهة- “احتجاجًا على الملاحَقات السياسيّة والاعتقالات والتعامل السلطويّ بِيَد من حديد لقمع أيّ صوت مناهض للاحتلال وجرائمه وهو ما لن نقبل به أبدًا”. وتابع البيان قائلًا: “ندرك حجم المسؤوليّة والتحدّي بمواجهة الفاشيّة المستشرية وندرك أنّ واجبنا يحتّم علينا حماية الناس في الاحتجاجات، من السلطة وأذرعها وعصابات المستوطنين ومن منطلق المسؤوليّة هذا سنبدأ باتّخاذ الخطوات الاحتجاجيّة بشكل تصعيديّ وسنقوم بالتجنُّد لإنجاح النشاطات الوحدويّة للجماهير العربيّة تحت مظلّة لجنة المتابعة ونبادر إلى تحرُّكات عربيّة يهوديّة شُجاعة ضدّ الحرب”.

في بيان للحزب الشيوعيّ صدر في 4/1/2024، يؤكّد الحزب مرّة أخرى على أهمّيّة العمل العربيّ اليهوديّ المشترَك ويقول: “أكّد المكتب السياسيّ أنّ النضال ضدّ هذه الحرب والتي كان لحزبنا وجبهتنا دَوْر كبير فيه منذ اليوم الأوّل، هو نضال عربيّ يهوديّ مشترَك قائم على أساس الكفاح المشترَك من أجل مستقبل أفضل لشعبَيْ هذه البلاد”.

علاوة على ذلك، سعت الجبهة إلى إنشاء تحالف عربيّ يهوديّ ضدّ الحرب، وتنظيم وقفات احتجاج. الحزب الشيوعيّ والجبهة كانا من الحركات السياسيّة التي ثابرت في محاولات تنظيم وقفات وتظاهرات احتجاجيّة، من بينها مشترَكة عربيّة يهوديّة، ضدّ الحرب على الرغم من منع الشرطة لهذه الوقفات والاحتجاجات، وقد توجَّها إلى المحكمة العليا لإصدار قرارات ضدّ رفض الشرطة ترخيص التظاهرات ضدّ الحرب. فقد نظّم الحزب الشيوعيّ والجبهة تظاهرة عربيّة يهوديّة في تل أبيب في 19/12/2023، ونظّمت الجبهة وقفات احتجاجيّة في 16/12/2023 في كفر ياسيف، وفي كفر قرع في 30/12/2023، ووقفة في مدينة الناصرة في 4/1/2024.

كذلك شكّل الحزب الشيوعيّ والجبهة لجنة ضدّ الحرب تتضمّن فعّاليّات يهوديّة وعربيّة، تحت شعار: “شراكة السلام لإنهاء الحرب”، تضمّ نحو 30 منظَّمة وحركة سلام واحتجاج. ونظّمت هذه اللجنة مظاهرة يهوديّة عربيّة في مدينة حيفا في 20/1/2024، ومؤتمرًا تحت عنوان “شراكة السلام: كفى للحرب والملاحقة السياسيّة”، في مدينة الطيرة في 16/2/2024. وكان بارزًا موقف النائب عوفِر كاسيف الذي وقّع على بيان يدعم طلب دولة جنوب أفريقيا محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدوليّة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وهو ما دفع بعض أعضاء الكنيست من حزب “يِسرائيل بيتينو” إلى تقديم طلب عزل النائب كاسيف من الكنيست. بَيْدَ أنّ الهيئة العامّة للكنيست رفضت ذلك على الرغم من تأييد 85 عضو كنيست لهذا الطلب الذي تحتاج المصادقة عليه إلى دعم 90 عضو كنيست.

على الرغم من أهمّيّة هذه المواقف والفعّاليّات في هذه الظروف تحديدًا، لم تخرق الإطارَ المعهود والتقليديّ في مواقف الحزب الشيوعيّ والجبهة، بل أكّدت على برامج الحزب التاريخيّة، دون تعامل مع التغيُّرات العميقة التي جاءت بها أحداث السابع من تشرين الأوّل والحرب على غزّة. من هذه التغيُّرات -على سبيل المثال- إعادة تعريف الإجماع الصهيونيّ وأهداف الدولة، ومواقف ودَوْر أحزاب المعارَضة، وتجنُّد ودعم المجتمع الإسرائيليّ بغالبيّته لحرب الإبادة في غزّة، وتفريغ المواطَنة الممنوحة للمواطنين العرب من مضمونها السياسيّ والقانونيّ.

التجمُّع الوطنيّ الديمقراطيّ

في قراءة التجمُّع الوطنيّ الديمقراطيّ للمشهد الناجم عن الحرب على غزّة، يشخّص هذا الحزب الـمَحاور المركزيّة التالية:

– أنّنا بصدد حرب إبادة ضدّ الشعب الفلسطينيّ في غزّة.

– أنّ الحرب تُنتِج مرحلة سياسيّة جديدة في ما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة.

– أنّ أحداث السابع من تشرين الأوّل والحرب على غزّة بمثابة فشل للإستراتيجيّة الإسرائيليّة في التعامل مع القضيّة الفلسطينيّة في العَقدَيْن الأخيرَيْن.

– أنّ سياسة كَمّ الأفواه، وملاحَقة المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في الداخل، وموجة التحريض، ستحمل إسقاطات على مكانة العرب في إسرائيل وعلى مضامين المواطَنة الممنوحة لهم.

– أنّ الحرب ستؤدّي إلى مراجَعة الأسئلة الجوهريّة المتعلّقة بمكانة المواطنين العرب في إسرائيل وفي قضيّة الاحتلال.

في أوّل بيان أصدره التجمُّع بعد مرور قرابة شهر على بداية الحرب على غزّة، طالب بوقف فوريّ للحرب، مشدِّدًا على موقفه الثابت ضدّ الحرب وضدّ قتل المدنيّين والتدمير. وأكّد أنّ الحلّ الوحيد الذي يضمن السلام والأمان والاستقرار لجميع السكّان في المنطقة هو السلام وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة.

كذلك قَرَنَ التجمُّع بين الحربِ على غزّة وفشلِ العقيدة السياسيّة الإسرائيليّة تجاه استمرار الاحتلال والحصار، والتنكّر لحقوق الشعب الفلسطينيّ وتوسيع الاستيطان وفرض الأمر الواقع بضمّ غير رسميّ لمناطق “ج”، إذ تَبدَّدَ مجدَّدًا الوهم الكبير أنّ الجوانب الاقتصاديّة والتحسين الطفيف لحياة الناس اليوميّة يمكن أن يكون بديلًا عن الـمَطالب السياسيّة العادلة.

حذّر التجمُّع من تغيير قواعد العمل والاحتجاج السياسيّ التي تفرضها المؤسَّسة الإسرائيليّة خلال الحرب على المواطنين العرب؛ فقد طالب الحزبُ “بوقف ممارسات الإسكات والترهيب وتكميم الأفواه التي تمارسها المؤسَّسات الأمنيّة تجاه الأصوات المعارِضة للحرب في المجتمع العربيّ واليهوديّ”، ورأى أنّ ما يعيشه المجتمع العربيّ في الداخل هو محاولة بائسة لإعادتنا إلى عهد الحكم العسكريّ، حيث يكون كلّ مَن يعبّر عن أيّ موقف سياسيّ أو رأي سياسيّ عُرضةً للاعتقال والملاحَقة. وحذّر التجمُّع “من أن يتحوّل هذا التضييق والقمع إلى تعامل دائم مع المواطنين الفلسطينيّين، ينتقص من حقوقهم الأساسيّة، المدنيّة والمعيشيّة والسياسيّة”.

وَفقًا للتجمُّع، توضّح الحرب على غزّة مرّة أخرى استحالةَ فصل قضايا المواطنين العرب المعيشيّة والمدنيّة عن القضيّة الوطنيّة والقوميّة ومسألة إنهاء الاحتلال. ممارَسات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة تثبت -وَفقًا للتجمُّع- أنّه لا يمكن التعامل مع القضايا المدنيّة عامّة دون إنهاء الاحتلال والتوصّل إلى سلام عادل وإنهاء الظلم، وضمان المواطَنة الجوهريّة المتساوية والحقوق الديمقراطيّة لسكّان هذه البلاد كافّة.

يرى التجمُّع أنّ أحداث السابع من تشرين الأوّل، والحرب على غزّة، تعيد تعريف الحالة السياسيّة عامّة في إسرائيل، وهو ما يتطلّب قراءة مختلفة وتعاملًا سياسيًّا مختلفًا من قِبل المجتمع والأحزاب العربيّة، دون أن يوضّح تفاصيل التحوُّل المطلوب. دعا التجمُّع إلى العمل الجماعيّ من خلال لجنة المتابعة، والتزم بفعّاليّات الاحتجاج الجماعيّة، ولم ينظّم احتجاجات أو وقفات مستقلّة، ولم يعمل على تحدّي سياسات القمع كما فعل في حالات سابقة. بَيْدَ أنّه بادر إلى عَقد أيّام وندوات دراسيّة سياسيّة تُسهم في مناقشة الحالة السياسيّة، وطرح قراءته للحرب وللحالة السياسيّة الراهنة، وأسهَمَ في كسر سياسات الإخراس الحكوميّة -وإن كان بتأخيرٍ ما.

القائمة العربيّة الموحَّدة

بعد أحداث السابع من تشرين الأوّل، استمرّت القائمة العربيّة الموحَّدة بنهجها السابق، الساعي إلى نَيْل رضى واستحسان المجتمع الإسرائيليّ وأحزابه السياسيّة والرأي العامّ الإسرائيليّ. القائمة العربيّة الموحَّدة أطلقت مواقف مقبولة على الإجماع الإسرائيليّ حول أحداث السابع من تشرين الأوّل، وحمّلت حركةَ حماس مسؤوليّة قتل مدنيّين إسرائيليّين. كذلك عارضت القائمة الموحَّدة الحرب ودعت إلى حلّ سلميّ، وطالبت المجتمع العربيّ بالتحلّي بالمسؤوليّة المطلوبة في هذه الظروف الطارئة كي لا توفّر ذرائع للمتطرّفين في إسرائيل للانتقام من المجتمع العربيّ، دون أن تتطرّق إلى سياسات المؤسَّسة الأَمنيّة تجاه المجتمع العربيّ، بل استوعبتها وتعاملت معها بتفهُّم.

وصف النائب منصور عبّاس هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأوّل بأنّه خطأ كبير وجريمة ضدّ المدنيّين، وطالب بتصحيح ذلك الخطأ -وإن جزئيًّا-؛ إذ قال: “إذا كان من الصعب جدًّا ومستحيلًا أن تُعيد مَن قُتِلوا من المدنيّين، فعلى الأقلّ أن تُعيد من اختُطِفوا من المدنيّين خصوصًا الأطفال والنساء وكبار السنّ”. ودعا منصور عبّاس الفصائل الفلسطينيّة إلى تقييم أدائها ومسارها، مشيرًا إلى أنّ ما وقع في السابع من تشرين الأوّل يشكّل ضربة كبيرة أضرّت بعدالة القضيّة الفلسطينيّة بل “وأدخلت الشعب الفلسطينيّ كلّه في مَخاطر كبيرة يدفع أطفال غزّة ثمنها الآن”.

في بيان للنائب عبّاس صدر في 30/10/2023 على صفحته الرسميّة على موقع التواصل فيسبوك، وضّح قراءة القائمة الموحَّدة للحالة السياسيّة بعد الحرب على غزّة. جاء في هذا البيان: “منذ بداية الأحداث الدمويّة الشنيعة يوم السابع من أكتوبر، وفي أعقاب ذلك إعلان الحرب التي لا تزال تحصد آلاف الأرواح، وحرصًا على سلامتكم وحياتكم، ناشدت وأناشد المواطنين العرب واليهود بضرورة التحلّي بالمسؤوليّة والصبر والحكمة وضبط النفس والْتزام القانون والنظام العامّ، وعدم الانجرار إلى أيّ أعمال عنف جسديّ أو كلاميّ أو كتابيّ، أو التحريض أو ترويج الشائعات والاستماع لها”.

وحذّر الشبابَ والطلبة الجامعيّين، مشيرًا إلى حالة الطوارئ غير المسبوقة منذ خمسين عامًا، من أيّ تعبير عن الرأي منعًا للتعرُّض للعقاب، حتّى لمجرّد الشبهة في ما يقولون، مؤكِّدًا أنّ عليهم الحذر على نحوٍ مضاعَف، مضيفًا أنّ الحكمة تتطلّب من “العقلاء والمسؤولين” الامتناعَ عن كلّ ما يزجّ المواطنين الفلسطينيّين في صدام مع الدولة، مؤكِّدًا على أهمّيّة حفْظ السلْم والهدوء والعلاقات بين الشعبَيْن، مشيرًا كذلك أنّ دَوْر الفلسطينيّين مواطني دولة إسرائيل كجسر سلام يزداد أهمّيّة في هذه الظروف.

يُفهَم من الكلام أعلاه أنّ القائمة الموحّدة تتفهّم خطوات الإخراس والترهيب التي تمارسها المؤسَّسة الإسرائيليّة تجاه المجتمع العربيّ، فهي تأتي في سياق حالة الطوارئ؛ أي إنّ الموحَّدة تتحدّث عن حالة الطوارئ لا لتستنكرها أو تصرخ ضدّها أو لتنتقد خطوات المؤسَّسة الإسرائيليّة، وإنّما تتساهل مع خطوات المؤسَّسة الأمنيّة والشرطة وتحمِّل مسؤوليّة ما يَحْدث تجاه المجتمع العربيّ لفئات فاشيّة متطرّفة، لتدعو إلى الحكمة ولتطالب المجتمع العربيّ أن يتصرّف بمسؤوليّة، ولا سيّما الشباب وطلبة الجامعات، والامتناع عن كتابات قد تزعج المؤسَّسة الإسرائيليّة والقبيلة اليهوديّة. ويحمّل عبّاس المواطنين العرب واليهود مسؤوليّة متساوية بمنع تطوُّر الأوضاع وتصعيدها في الداخل لتصل إلى حدّ اعتداءات وصدامات مباشرة.

وقد بلغ الأمر بالقائمة العربيّة الموحَّدة حدَّ مطالَبة النائبة في القائمة نفسها، إيمان ياسين-خطيب، بأن تقدّم استقالتها، وذلك على خلفيّة تصريحاتها في مقابلة تلفزيونيّة أَجْرَتْها معها قناة الكنيست التلفزيونيّة قالت فيها “إنّها لم تشاهد الـﭭـيديو الذي بثّه الكنيست لكنّها حسب ما سمعت لم يكن هناك ذبح أطفال ولا اغتصاب نساء”. في نهاية المطاف، تراجعت النائبة ياسين-خطيب فاعتذرت عن تصريحاتها بغية طيّ هذا الملفّ.

لجنة المتابعة

قَرَنَتْ لجنة المتابعة منذ اليوم الأوّل بين أحداثِ السابع من تشرين الأوّل والسياساتِ الإسرائيليّة المنتهَجة تجاه الشعب الفلسطينيّ والاحتلال وحصار غزّة؛ فقد حمّلت في أوّل بيان لها (صدر في 7/10/2023) “المسؤوليّة الكاملة للحكومة الإسرائيليّة عن الدماء التي سقطت وتسقط في هذا الصراع، لا سيّما في أعقاب مواصلة الحصار الإجراميّ على قِطاع غزّة، والممارسات الإسرائيليّة الاحتلاليّة والاستيطانيّة في الضفّة الغربيّة والقدس […] وممارسات المستوطنين والفاشيّين هناك”.

من حيث العمل الميدانيّ، ركّزت لجنة المتابعة عملها ومتابعتها على قضيّة الملاحَقات السياسيّة والاعتقالات للمواطنين الفلسطينيّين بسبب المواقف الإنسانيّة الرافضة للحرب، ولا سيّما بين شرائح طلبة الجامعات والكلّيّات، وملاحَقة العمّال العرب في أماكن عملهم.

في بيان أصدرته المتابعة في 15/10/2023، جاء ما يلي: “حذّرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة في البلاد، من حملة الملاحقات السياسيّة الترهيبيّة، التي تشنّها الأجهزة الإسرائيليّة من مخابرات وبوليس، على الناشطين من جماهيرنا العربيّة، بما في ذلك ملاحَقة طلّاب الجامعات والكلّيّات، وملاحقة أماكن العمل لكلّ عامل وعاملة لمجرّد تعبير حدّ أدنى عمّا يواجه شعبنا الفلسطينيّ من مجازر تحصد آلاف الأرواح”.

وقالت المتابعة إنّ موقفها الإنسانيّ واضح يرفض التعرُّض للمدنيّين الأبرياء، كائنين من كانوا، وأينما كانوا، وإنّ هذا موقف يعبّر عن موقف كلّ مركِّبات لجنة المتابعة، وفي الوقت نفسه تؤكّد أنّ الحرب “لم تبدأ في الـ 7 من تشرين الأوّل (2023)، بل هذه حلقة جديدة في الحرب التي تشنّها إسرائيل على شعبنا في جميع أماكن تواجده، على مدى عقود، وبشكل خاصّ منذ نكبة عام 1948، وتؤكّد كلّ المؤشّرات أنّ الحرب الدائرة على قِطاع غزّة، وحصد أرواح آلاف الشهداء، هو تنفيذ لمخطَّطات عسكريّة جاهزة، وهذا يتّضح من مطلب إسرائيل بعد 24 ساعة من بدء الحرب، من أهالي شمال قِطاع غزّة بما يشمل مدينة غزّة، تهجير 1.1 مليون فلسطينيّ نحو جنوب القِطاع”.

لجنة المتابعة وضعت الحرب على غزّة في سياقها الأوسع، ألا وهو الحرب المستمرّة، بل كذلك النكبة المستمرّة، تجاه الشعب الفلسطينيّ، واعتبرتها جزءًا من أدوات الاحتلال والحصار، ولم ترَ فيها ردّ فعل على عمليّة طوفان الأقصى فحسب. كذلك تطرّقت المتابعة في بياناتها ومواقفها إلى مَخاطر التحوُّلات السياسيّة الناتجة عن الحرب وإسقاطاتها على المجتمع العربيّ. وبذا شكّلت غطاء وسقفًا سياسيًّا أعلى من الأحزاب منفردة. بَيْد أنّها حاولت استخدام نفس أدوات الاحتجاج التقليديّة التي استُخدِمت في حالات اعتداءات سابقة على غزّة، لكن المؤسَّسة الأَمنيّة حظرت كلّ فعّاليّات مناهِضة للحرب أو تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاج جِدّيّة. حاولت لجنة المتابعة تحدّي ذلك بتواضع شديد، ولم تنجح في كسر قواعد اللعبة التي فرضتها المؤسَّسة الأمنيّة. بِذا كان موقف لجنة المتابعة متقدّمًا دون أن يترجَم ذلك بالممارَسات والخطوات الميدانيّة. لجنة المتابعة فعّلت، منذ بداية الحرب، هيئة الطوارئ العربيّة التي شملت اللجنة القُطْريّة للسلطات المحلّيّة ومؤسَّسات أهليّة، وأطلقت عددًا من اللجان لمتابعة قضايا المجتمع العربيّ في ظلّ الحرب وإهمال المؤسَّسات الرسميّة، ودعم المجتمع العربيّ في هذه الظروف المركَّبة ومنع الملاحَقة والتنكيل والاستهداف لأبناء المجتمع العربيّ. أشغلت هذه الهيئة دَوْرًا مركزيًّا في تنظيم المجتمع العربيّ والعمل الجماعيّ، ومتابعة حملة الاعتقالات وتوفير المرافَقة القانونيّة للمعتقَلين عن طريق جمعيّات حقوقيّة مثل مركز “عدالة” ومؤسّسة “الميزان” وغيرهما. يمكن اعتبار تفعيل هيئة الطوارئ القُطْريّة تجديدًا جِدّيًّا في تنظيم العمل الجماعيّ للفلسطينيّين في الداخل منذ بداية الحرب على غزّة.

استنتاجات أوّليّة

في العَقد الأخير، كان الـﭙَرَدايم السياسيّ الـمُهَيْمِن لدى الفلسطينيّين في إسرائيل هو ﭘَرَدايم التأثير والاندماج؛ أي محاولةُ الاندماج والتأثير في صناعة القرار -وإن اختلفت الأدوات وحدّتها ووضوحها- ومحاولةُ العمل لتحسين ظروف المواطنين العرب المعيشيّة. هذا يعني تراجُعَ مكانة القضيّة القوميّة الوطنيّة والاحتلال في العمل السياسيّ لدى الأحزاب العربيّة في إسرائيل، وتراجُعَ مكانة هذه المحاور في وعي الناس، وازديادَ اهتمام الناس بالقضايا اليوميّة المعيشيّة (نحو: الجريمة والعنف؛ المسكن؛ التعليم؛ العمل؛ الاقتصاد).

التحوُّلات السياسيّة في إسرائيل منذ عمليّة طوفان الأقصى، وما قبلها منذ حركات الاحتجاج على الخطّة الحكوميّة لتقييد القضاء في العام الماضي، وسياسات الإخراس والترهيب تجاه المجتمع العربيّ في إسرائيل، كلّ هذه معًا بدّدت مقارَبات التأثير التي رسمت حدود العمل السياسيّ لدى الأحزاب العربيّة في العَقد الأخير، وفرضت الحاجة إلى إعادة بَلْوَرة أهداف ومعاني العمل السياسيّ لدى الفلسطينيّين في الداخل.

في هذا الواقع، نجد أنّ قراءة الفاعلين في الحقل السياسيّ للفلسطينيّين في إسرائيل للأحداث، منذ السابع من تشرين الأوّل الأخير، ما زالت تعكس العقليّة نفسها والأساليب والمصطلحات التقليديّة التي استُعمِلت في حالات حرب وملاحَقات سياسيّة سابقة.

نجد أنّ الحزب الشيوعيّ والجبهة ما زالا يعملان ويناضلان ميدانيًّا في إطار الشراكة العربيّة اليهوديّة ضدّ الحرب وأمام الفاشيّة الآخذة في الانتشار في المجتمع الإسرائيليّ، بينما طالَبَ التجمُّع بضرورة إعادة تعريف سؤال المواطَنة ومعانيها ومكانة المجتمع الفلسطينيّ والحالة السياسيّة عامّة في ظلّ التحوُّلات الحاليّة، دون النزول إلى الميدان. أمّا القائمة الموحَّدة، فقد بقيت متمسّكة بوجهتها الرامية إلى التشديد على الأبعاد المدنيّة المعيشيّة لمطالب العرب في إسرائيل، والعمل تحت سقف سياسيّ مقبول على الإجماع الصهيونيّ، وفي إطار المفردات والمصطلحات التي تردّدها القائمة في السنوات الأخيرة منذ أن فكّكت القائمةَ المشترَكة عام 2021.

من المتوقَّع أن تؤدّي التحوُّلاتُ الحاليّة في المجتمع الإسرائيليّ، وتوضيحُ معاني المواطَنة المشروطة الممنوحة للفلسطينيّين في إسرائيل، وتقليصُ حدود العمل والاحتجاج السياسيَّيْن، والإجماعُ الإسرائيليّ على عدم القبول أو السماح بإقامة دولة فلسطينيّة وإنهاء الاحتلال، إلى إعادة تنظيم الحقل السياسيّ للفلسطينيّين في إسرائيل وللطروحات السياسيّة، والدفع صوب بَلْوَرة مشروع سياسيّ جماعيّ يعيد النظر مرّة أخرى في أهداف وبنْية لجنة المتابعة العليا والرؤية التي تَحْكمها، ولا سيّما أنّ بنْيتها الحاليّة تسمح بوجود ممثّلين عن أحزاب في الائتلاف الحكوميّ أو أحزاب تُشَرْعِن حالة القمع والملاحَقة ضدّ فلسطينيّي الداخل.

المشروع السياسيّ الجماعيّ المطلوب يجب أن يقدّم مراجَعة شاملة للمقاربات السياسيّة لدى المجتمع العربيّ، وأن يضع سؤالَ مضمون ومعاني مواطَنة الفلسطينيّين في إسرائيل، وعودةَ القضيّة الفلسطينيّة والاحتلال، محورَيْن أساسيَّيْن للعمل والـمَطالب السياسيّة للفلسطينيّين في الداخل، بعد أن تراجع هذان المحوران وهُمِّشا في السنوات الأخيرة حيال القضايا اليوميّة المعيشيّة.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *