Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

ملاحظات عن الحرب على غزة

يشهد أتون الحرب من وعلى غزة 2023، والتي أسمتها المقاومة عملية “طوفان الأقصى” عملية انصهار سريع لعوامل ومركبات ومصالح واعتبارات إقليمية ودولية لدرجة تحريك سريع لحاملة طائرات أميركية لشرق المتوسط ما لم يحدث في أي من الحروب السابقة حتى بريطانيا العجوز ترسل سفنا وطائرات دعما لإسرائيل.

اتضح ومنذ الساعات الأولى لصباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أن هناك جوانب وعوامل عاطفية ونفسية وإعلامية لهذه الحرب تتضافر بشكل غير مسبوق، وتعمل على تشويه وعي الناس، وبالتالي ردود فعلها بغض النظر عن الحقائق والوقائع على الأرض وفي الميدان.

ولكن هذا لا يعفينا من وضع النقاط على الحروف ومن محاولة توضيح الصورة خاصة للكثيرين ممن فقدوا في خضم هذا “الطوفان” توازنهم أو يكادون.

1) لا أعتقد أن هناك خلاف أنه ولا في أي دقيقة من بدء “طوفان الأقصى” وحتى الآن ولأمد غير مسمى لم ولن تواجه إسرائيل خطرا وجوديا ولم يتهدد أمنها تحد أو تهديد جدي. هذه الحقيقة مهمة ويجدر تذكرها والتذكير بها لأن رد فعل القيادة والمؤسسة الإسرائيلية وكذلك الشارع الإسرائيلي تميز بالهلع والفوضى وفراغ قيادي على كل المستويات وكأنما واجهت إسرائيل تهديدا جديا على مجرد وجودها. وكل المقارنة مع حرب أكتوبر 1973 جاءت لتوحي بذلك. هل يعقل أن اختراق ألف أو ألف وخمسمائة مقاتل من حماس للحدود والجدار الفاصل ونجاحهم في مباغتة الآلة العسكرية الإسرائيلية وتكبيدها خسائر غير مسبوقة يشكل تهديدا وجوديا يستدعي كل هذا التحرك والتضامن الدولي، منذ متى ترسل أميركا حاملات طائرات وبوارج حربية وقطارا جويا للأسلحة والعتاد المتطور لدولة حليفة لمواجهة “تنظيم إرهابي”؟ من غير المستبعد أن تتطور عملية مقارنة حماس بداعش إلى المطالبة بتشكيل تحالف دولي لضرب حماس. وقد بدأ بهذه النغمة نتنياهو مستندا إلى هذا الدعم غير المسبوق من الغرب.

2) استنادا إلى هذه الحقيقة أن إسرائيل لم ولا تواجه خطرا وجوديا نتيجة عملية طوفان الأقصى التي لا يختلف عليها إثنان علينا أن نقرأ ما جرى من اتخاذ قرارات وخطوات على المستوى الإسرائيلي والدولي؟ نبدأ بتجنيد أكثر من ثلاثمئة ألف من قوات الاحتياط، أي أكثر من نصف مليون جندي إسرائيلي وحالة التجييش والتخويف وكأن إسرائيل على وشك خوض حرب مع جيوش هائلة العدد والمعدات. تجنيد هذا الكم من الجنود يعني أن كل بيت وعائلة في إسرائيل متورطة مباشرة في حالة الحرب. ثم كيف من الممكن تفسير هذا الانهراق الأميركي لمساعدة إسرائيل وخطابين متتاليين من رئيس هذه الدولة العظمى محشوين بالعواطف الإنشائية من ناحية وباستخدام لغة التهديد من ناحية أخرى وكأن القوات الحمساوية على أبواب تل أبيب.

3) خلال أقل من 24 ساعة من بدء عملية “طوفان الأقصى” استطاعت ماكينة الإعلام الاسرائيلي والغربي من تحويل الأنظار عن المفاجأة العسكرية التكتيكية والإستراتيجية التي قامت بها المقاومة والخسائر التي كبدتها للجيش الإسرائيلي، والتي تتحمل مسؤوليتها أولًا وأخيرا المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، إلى أن ما قامت به المقاومة هو عمل إرهابي داعشي وحشي استهدف المدنيين المسالمين، وأن إسرائيل هي الضحية التي بأمس الحاجة للتعاطف والتضامن الدولي. وتسابق زعماء الغرب المنافقين في التطوع لصالح إسرائيل. (سأعود لموضوع قتل المدنيين واتهام حماس بجرائم ضد الإنسانية).

4) لنفترض جدلا أن كل الاتهامات لحماس صحيحة ولنفترض أن حماس فعلا هي تنظيم إرهابي قتل واعتدى على المدنيين والكيبوتسات الآمنة المسالمة في “غلاف غزة”، فهل هذا يعطي شرعية لإسرائيل وبشكل رسمي بالقيام بتشديد الحصار على القطاع بشكل كامل بقطع المياه والكهرباء وسد كل المنافذ على أكثر من مليوني إنسان وبدء تنفيذ عملية تدمير ومسح شامل للمناطق المأهولة في قطاع غزة مع تصريحات واضحة من زعماء وقادة إسرائيل بأن هذا هو هدف القصف الجوي “تحويل غزة إلى خراب”، وكذلك لعملية تطهير عرقي للسكان الفلسطينيين؟ كل ما جرى ويجري منذ تلك اللحظة هو جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يحاسب عليها القانون الدولي. ولنكن واثقين أنه سيأتي اليوم الذي يحاكم فيه في محكمة الجنايات الدولية كل العسكريين والسياسيين الإسرائيليين المتورطين في هذه الجرائم.

5) طالما اعتبرت المقاومة في قطاع غزة، وخاصة حماس، من قبل إسرائيل أنها صاحبة السيادة في القطاع واعتبرتها هي المسؤولة عن كل ما يجري داخل القطاع حتى أنها قامت بمفاوضات غير مباشرة معها طيلة سنوات ولهذا فإن تحويلها لتنظيم إرهابي داعشي بين ليلة وضحاها، لا يمكن أن ينطلي على كل العالم وإن سارعت بعض الدول الغربية لتبني رواية إسرائيل.

6) لم تخف حماس نواياها في التصدي لممارسات الاحتلال، سواء في القدس والأقصى أو الضفة الغربية أو على القطاع. وكما بيّن تقريرCNN فإن العملية العسكرية التي نفذتها حماس قد تدربت عليها بشكل شبه علني. كانت عمليات حماس في السابق تقتصر على القصف بالصواريخ ونشاطات في منطقة السياج الفاصل، ونذكر في هذا السياق مسيرات العودة. وقد كانت ردود إسرائيل دائما دموية ووحشية ضد المدنيين، ففي مسيرات العودة لوحدها قتل جيش الاحتلال أكثر من 170 فلسطينيا في عمليات قنص هي عمليا عمليات إعدام ميدانية، إضافة لإصابة المئات والتسبب بعاهات دائمة لهم، ناهيك عن القتل بدم بارد للطواقم الطبية والدفاع المدني.

7) الجديد في عملية طوفان الأقصى هو قيام قوات عسكرية مدربة من حماس بعملية اختراق عسكري مدروس للجدار الحدودي وشن حرب حقيقية لاحتلال المعسكرات ومقرات الجيش الاسرائيلي وكذلك المستوطنات الحدودية. وكان نجاح حماس الهائل في حملتها العسكرية صاعقا ومفاجئا، ولكنه جرى من خلال قتال حقيقي في كل نقطة بما فيها المستوطنات التي ادعت إسرائيل أن حماس ارتكبت مجازر وحشية فيها كانت هناك اشتباكات والتحام بالسلاح الناري مع قوات اسرائيلية. لا يمكن أن يفاخر الإسرائيليون ببطولات القوات المدافعة عن المستوطنات من جهة ومن ناحية ثانية اعتبار تعرض المدنيين للقتل أو الخطف في هذه المستوطنات جرائم ارتكبتها حماس بدون علاقة بحالة القتال والحرب على الأرض، حتى في الحفل في الطبيعة الذي اتهمت فيه حماس بارتكاب المجازر الوحشية كان هناك تبادل إطلاق نار مع العشرات من الحراس.

8) حتى لا يكون هناك أي ذرة من الشك أو البلبلة والتلعثم فإن حسمنا الأخلاقي دائما وأبدًا هو ضد قتل المدنيين وتعريضهم للخطر تحت أي ظرف ومن قبل كل الأطراف، ولكننا وبنفس الثقة والوضوح لا نساوي بين المستعمر المحتل الغاصب والمعتدي وبين المقاوم ضد الاحتلال وأيضا هذا ينبع من حسم أخلاقي جذري آخر هو أننا دائما مع الضحية في مواجهة الجزار ولا نقبل تشويش الصورة كما يحاول الإعلام الغربي تشويهها بخلط الأوراق وقلب الحقائق. في عرفنا أن الاستعمار والاحتلال ونظام الفصل العنصري هو المسؤول الأول والأخير عن كل ما يجري بما فيها تعرض المدنيين الفلسطينيين وكذلك الإسرائيليين حتى عندما يتعرضون للقتل والعنف بأيدي المقاومين الفلسطينيين.

9) بالعودة إلى بداية هذه العجالة، كيف يمكن فهم كل هذه القرارات والإجراءات من إرسال حاملة الطائرات، جيرالد فورد، يرافقها أسطول من البوارج الحربية وسيلحق بها إلى المنطقة حاملة الطائرات روزفلت!!؟؟ وكذلك تجنيد الاحتياط الإسرائيلي بكامل عدده وعدته وإعلان حرب إجرامية لا يعرف أحد كيف ستنتهي، ثم توسيع الحكومة الحالية وتحويلها لحكومة طوارئ من خلال ضم حزب غانتس لها، وفي هذا بالفعل إعطاء حبل إنقاذ لنتنياهو، فهل ما تواجهه إسرائيل حاليا يختلف جوهريا عما كانت عليه الحال عندما شنت الحرب على غزة عام 2014، فعلام كل هذه التحركات والإجراءات ذات الطابع الإستراتيجي، وما ومن المقصود منها!؟

10) من الواضح أن قرار حماس بالهجوم استهدف قلب الطاولة وخلط كل الأوراق في المنطقة، والتي لم يكن أيا منها في صالح القضية الفلسطينية. إن استشعار حماس الحقيقي بالخطر على المسجد الأقصى في ظل هذه الحكومة الفاشية، مع تكثيف اقتحامات المسجد الأقصى وبدء زاحف لتطبيق تقسيم زماني ومكاني داخل المسجد دون أي رادع ومن دون أن تقيم إسرائيل أي اعتبار لا لسلطة وطنية ولا للمملكة الأردنية الهاشمية وحتى لا للمملكة السعودية أثناء محادثات التطبيع، دفعها إلى هذه العملية الإستراتيجية التي لها ما بعدها.

11) مع كل ذلك، هل ما جرى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر هو السبب في كل هذه الإجراءات، أم أنه يكمن من ورائها استدراج المنطقة إلى حرب أوسع ينتج عنها نظام سياسي جديد ومحاور وتحالفات جديدة في المنطقة تخدم نوايا إسرائيل والولايات المتحدة في حسم الصراع بدل إدارته في فلسطين والقضاء على حزب الله كلاعب أساسي في محور المقاومة وفي تحقيق المصالح الأميركية والإسرائيلية فيما يتعلق بإيران وفي توزيع الأدوار فيما بينها؟


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *