Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

إسرائيل ليست أوكرانيا…

أعلن الرئيس الأمريكيّ جو بايدن أنّ انتصار أوكرانيا وإسرائيل في حربيهما ضروريّ للأمن القوميّ للولايات المتّحدة.

يبدو هذا التصريح وكأنّه انتصار استراتيجيّ لإسرائيل باصطفافها في المعسكر الغربيّ الّذي تقوده أمريكا في أوكرانيا، إلّا أنّه في الواقع، يضع إسرائيل في موقع خطير وبما لا يتناسب مع وضعها، فمساحة أوكرانيا تبلغ 600 ألف كيلومتر، وعدد سكّانها 43 مليونًا.

هذا يعني أنّ الخسائر البشريّة الّتي من الممكن لأوكرانيا أن تتحمّلها أكثر بكثير من قدرة إسرائيل على تحمّلها، إضافة إلى أنّه لا يوجد عمق يذكر من ناحية المساحة، أمّا الأهمّ فهو وجود إسرائيل في محيط ومنطقة عربيّة.

الشعب الأوكرانيّ يحارب لطرد الروس من أراضيه الّتي تعتبر محتلّة بقرارات دوليّة، وهذا يختلف عن حرب إسرائيل ضدّ قطاع غزّة والضفّة الغربيّة الّتي تعتبر فيها هي القوّة المحتلّة الّتي تقوم بفعل الاحتلال، وفي الوقت الذي يسعى الأوكرانيّون لتحرير بلدهم، تسعى إسرائيل إلى تثبيت احتلالها الّذي تدينه الشرعيّة الدوليّة منذ عقود.

مصلحة الشعب الإسرائيليّ بعيدة جدًّا من أن تكون بتدمير قطاع غزّة وترحيل سكّانه، لأنّ هذا يعني العودة إلى المربّع الأوّل عام 1948 واستئناف الصراع من نقطة الصفر، الأمر الّذي يعني الحرب لعدّة عقود قادمة، وهذا ما لا يمكن لشعب إسرائيل أن يتحمّله بعدما توهّمت نسبة كبيرة منه بإمكانيّة القضاء على القضيّة الفلسطينيّة من خلال التجاهل وإدارة الظهر.

ليس فقط لأنّ الشعب الفلسطينيّ يرفض هذا الاحتلال ويقاومه، بل لأنّ الشعوب العربيّة لا بدّ أن تتأثّر، فقضيّة فلسطين لا يمكن حصرها بشعب فلسطين لأسباب كثيرة، وحتّى أولئك الّذين عقدت إسرائيل معهم معاهدات سلام سيجدون أنفسهم مضطرّين إلى التعامل مع عدوانيّة إسرائيل ومخطّطاتها التوسّعيّة، أمّا الأنظمة، فسوف تجد نفسها محرجة أمام شعوبها، ومهما كان في قدرتها خداع وقمع وإخراس صوت الشعوب، وكلّما طالت الحرب، وقعت الأنظمة والشعوب العربيّة في امتحانات صعبة.

الشعب الفلسطينيّ لا يحتلّ إسرائيل، بل تنازل كثيرًا عندما وافقت قيادته على القبول بالسلام مقابل دولة إلى جانب دولة إسرائيل على حدود الرابع من حزيران 1967 بحسب قرارات دوليّة وحتّى مع تعديلات كما جاء في المبادرة العربيّة، إلّا أنّ إسرائيل هي من رفضت الحلول كلّها، وواصلت الاستيطان والتوسّع، وهمّشت السلطة الفلسطينيّة في رام اللّه، وتعاملت معها كعميلة لقمع أيّ فعل مقاومة، وليس كشريكة في صنع السلام، رغم تطبيقها لاتّفاقات أوسلو من جانب واحد، حتّى أثبتت إسرائيل أنّها لا تريد سلامًا، أمّا التأييد الأمريكيّ والدعم الأمريكيّ اللامحدود، فهو ليس ضمانة لاستقرارها، ويضعها في حالة حرب مع شعوب المنطقة إلى أجل غير مسمّى.

مساواة الوضع في إسرائيل بأوكرانيا يعني وضعها في مواجهة مع “محور الشرّ”، لتعمل في خدمة للمصالح والطموحات الأمريكيّة في العالم، والدعم الكبير الّذي أعلن عنه جوّ بايدن بالسلاح والمال، ليس هو ما تحتاجه إسرائيل فالسلاح لا ينقصها، وأمّا المال، فيمكن للشعب أن يتحمّل هبوطًا بسيطًا في مستوى معيشته، وما ينقص إسرائيل حقيقة هو أن تدرك بأنّ حلّ القضيّة الفلسطينيّة لن يكون بمزيد من المجازر وجرائم الحرب، فكلّ مجزرة وجريمة حرب جديدة تؤسّس لجولة قادمة من دوّامة الدم.

على الإسرائيليّين أن يذوّتوا، بأنّ من لم ينسوا وطنهم السليب منذ خمسة وسبعين عامًا، وما زالوا متمسّكين به، لن ينسوا غدًا ما حدث ويحدث في عام 2023.

لقد استنجد بيبي نتنياهو في اليوم الأوّل من المواجهة الحاليّة بالرئيس الأمريكيّ بايدن، فأرسل إليه حاملة طائرات لطمأنته، أتبعها بحاملة أخرى، وبحجيج من الزعماء الأوروبّيّين لطمأنة نتنياهو، فهل هذا ما يطمح إليه الشعب الإسرائيليّ؟ أن يبقى في رعاية حاملات طائرات أمريكيّة وبريطانيّة ومدّد أوروبّيّ عسكريّ لحمايته؟

الشعوب العربيّة تسمع وترى وتتأثّر بما يحدث لشعب عربيّ شقيق، ولديها ما يكفي من المروءة والاعتزاز بقوميّتها ودينها وإنسانيّتها، ما يجعلها تصطفّ إلى جانب شعب فلسطين ومناصرته وحتّى التضحية بالغالي والنفيس إلى جانبه، حتّى نيل حرّيّته، ويضاف إلى هذا التأييد الواسع الأحرار في كلّ بقاع الأرض، حتّى من شعوب في دول تعتبر مناصرة لإسرائيل، لهذا، فإنّ السياسة الإسرائيليّة هي الّتي يجب أن تتغيّر، لضمان العيش بسلام مع شعوب المنطقة، وليس وضعها في أحلاف عسكريّة تبقيها في حالة عداء ومواجهة مع شعوب المنطقة، لا أحد يمكن له أن يتنبّأ بمصيرها.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *