Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

لاجئون في غزّة يستذكرون مدنهم وقراهم قبل النكبة

بعد 75 عاما على النكبة الفلسطينية، ما زالت صور المنازل التي هجروها ماثلة أمام عيون الفلسطينيين، مثل أمينة الدبعي التي تصف مدينة اللد حيث ولدت في العام 1934 بـ”عروس جميلة”.

الدبعي واحدة من 5,9 مليون لاجئ فلسطيني يتوزعون اليوم بين الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والأردن ولبنان وسورية، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة، وبين قلة لا تزال على قيد الحياة من 760 ألف فلسطيني هُجّروا من منازلهم خلال عام النكبة 1948 التي أسفرت عن هدم ما يزيد عن 500 قرية فلسطينية وتهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني.

وبحسب منظمة زوخروت (ذاكرات) الإسرائيلية التي تقول إنها تعمل على الكشف عن المعلومات التاريخية المتعلقة بالنكبة، هناك 600 بلدة وقرية فلسطينية دُمّرت أو هُجرت خلال تلك الحرب.

ويحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة في 15 أيار/مايو من كل عام، بينما يحتفل الإسرائيليون قبلها بيوم بذكرى تأسيس دولتهم نتيجة النكبة الفلسطينية.

بعد مرور خمسة وسبعين عاما على النكبة، التقت وكالة “فرانس برس” لاجئين تتراوح أعمارهم بين 85 و98 عاما، عاشوا أحداث النكبة.

وتستذكر الدبعي كيف “كنّا نعيش مرتاحين” في اللد التي أصبحت اليوم مدينة كبيرة بمركز البلاد ومختلطة (عربا ويهودا) بفعل الاستيطان فيها وتهجير سكّانها الأصليين.

وتصف الدبعي نافورة مياه كبيرة تتوسط سوق المدينة وتحيط بها المتاجر.

وشهدت المدينة في 12 و13 تموز/يوليو 1948 عندما اجتاحت العصابات الصهيونية، طردا قسريا مخططا له، ومجازر استهدفت مئات المدنيين والثوار.

وتعود الدبعي بذاكرتها إلى اليوم الذي هاجمت العصابات الصهيونية البلد، بينما كانت في سن المراهقة. وتقول “عندما وصل جنود إلى اللد كانوا يعتمرون كوفيات، فاعتقد السكان أنهم من الجيش الأردني، قبل أن يكتشفوا أنهم يهود متنكرون”.

وتتابع السيدة التي تعاني اليوم ضعفا في السمع “احتمى الناس في الجامع ثم بدأ الجنود إطلاق النار عليهم”.

في اليوم التالي، حطّم الجنود أثاث المنازل وطلبوا من الجميع الرحيل، وفق الدبعي “هددونا بالقتل، رحل الناس ونحن معهم”.

وتروي أن والدتها “جمعت ما استطاعت من ملابس”، مشيرة إلى أن “هناك من لم يستطع أخذ ملابس معه، فإطلاق النار لم يتوقف”.

وسارت الدبعي وعائلتها لأيام عدة وصولا إلى بلدة بيرزيت شمالي رام الله في الضفة الغربية قبل أن ينتقلوا إلى رفح في جنوبي قطاع غزة حيث تسكن حتى هذا اليوم.

ويشكّل اللاجئون أكثر من ثلثي سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2,3 مليون. ويرفض هؤلاء التنازل عن حق العودة الذي يعتبر من الثوابت الفلسطينية منذ عام 1948.

وترفض إسرائيل عودة الفلسطينيين. وشكّل هذا الموضوع نقطة خلاف أساسية في التفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

في آذار/مارس 2018 وعلى مدى شهور طويلة، شهدت المنطقة الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل تظاهرات أسبوعية كثيفة عُرفت بـ”مسيرة العودة الكبرى” شارك فيها عشرات آلاف الفلسطينيين مطالبين بحق العودة إلى بلداتهم التي هجروا منها في عام 1948.

وترفض الدبعي أي تعويض مالي بديلا للعودة، وهي متيقنة من أن العودة ستحصل يوما.

تمكّنت الدبعي من زيارة اللد بعد عام 1994، وتروي عن زيارتها إن “دار جدي كانت مدمرة، وبيوت جيراننا يسكنها يهود”. وتقول بحسرة “لم يكن هناك أحد يصوّر المجازر كما هي الحال اليوم”.

ويزعم الاحتلال الإسرائيلي إن الفلسطينيين غادروا قراهم طوعا خلال المعارك، كما ترفض الاتهامات حول قيامها بمجازر، رغم كل الأدلة والوثائق المعلنة وغير المعلنة.

وولدت أم جبر وشاح في العام 1932 في قرية بيت عفا قرب المجدل. وكانت متزوجة ولديها طفل لدى اندلاع معارك النكبة.

وتقول إن الإسرائيليين احتلوا “قرية تلو قرية حتى وصلوا إلى قريتنا” التي “تعرضت لهجوم مسلح عنيف”.

وتتابع وهي تذرف الدموع “كنت وقتها أعدّ الخبز في فرن الطابون، كان الرصاص مثل المطر بلا رحمة”.

في اليوم التالي “أجبرونا على الرحيل الى قرية كرتيا (المجاورة)، وأسر الجنود كل الشباب والرجال، وبقيت النساء مع الأطفال يبكون عليهم”.

وتستذكر أن “جنديا يهوديا سألني عن ابني قائلا: هل هذا ولد أم بنت؟ قلت له بنت. خفت أن يقتلوا ابني إبراهيم”. وأم جبر وشاح واحدة من بين نحو مئتي ألف لاجئ استُقبلوا في مدارس ومساجد وبيوت في قطاع غزة.

وتقول اليوم بحسرة “قالوا لنا أسبوعا وسنرجع، خانونا وكذبوا علينا”. حتى اليوم، تحتفظ أم جبر وشاح في منزلها في وسط مخيم البريج وسط القطاع، بمفتاح منزلها أملا بالعودة.

وتقول “الظلم لا يدوم”، مشيرة إلى أنها لا تقبل “بكل قطاع غزة بديلا، سأرجع كما جئت حافية القدمين”.

وتقول ابتهاج دولة التي ولدت في يافا العام 1935 من جهتها “سأذهب زحفا على الأيدي والأقدام لو قالوا ارجعوا”. وتضيف وهي التي تعرف يافا “شبرا شبرا”، “خيمة في يافا ولا قصر هنا”.

وكانت عائلة دولة أول عائلة تسكن مخيم الشاطئ الذي بنته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) إلى جانب سبع مخيمات أخرى في القطاع عام 1951، وبقيت فيه حتى اليوم.

وتجلس دولة على سرير في بهو منزلها في أحد أزقة المخيم الضيقة وتهز أربعة مفاتيح صدئة هي ما تحتفظ به من بيتها بعد التهجير.

ولا يزال منزلها في حي العجمي وسط يافا يحتفظ بلونه الزهري، وتسكنه امرأة يهودية إسرائيلية، وفق ما تقول دولة التي زارته قبل ثلاثين عاما وشربت الشاي فيه.

وسألتها الإسرائيلية “لماذا تبكين؟ فأجبتها هذه داري”. وتقول إن اليهود في يافا كانوا يتحدثون العربية. وتتابع بابتسامة “زوجة شقيق زوجي يهودية ولديها ثلاث بنات وولد، تركناهم في يافا وهجرنا. كنا نزورهم، لكن لا زيارات (اليوم)، الآن خوف”.

يوم تهجير عائلتها، كانت ابتهاج عائدة من مدرستها إلى البيت فصدمت بهروب سكان الحي على وقع الرصاص والمدافع، ووجدت نفسها فجأة مع عائلتها في قارب صغير يتجه نحو غزة.

ويفخر عبد الهادي زروق أنه من مواليد حي المنشية في يافا في عام 1932، كان يعمل وكذلك والده في ورشة لخراطة الحديد يملكها يهودي يدعى فاغنر. وكانت عائلة زروق ميسورة الحال، فوالده الذي تمكن من امتلاك ورشة خراطة لاحقا، تملّك أيضا بيارة (حقل حمضيات) “مساحتها 30 دونما في قرية يبنا” القريبة.

ويقول “ادخر أبي أموالا كثيرة في البنك العثماني وأنشأ بنايات سكنية للإيجار، استأجر بعضها يهود”.

ويشير إلى الحياة الجميلة في مدينة كانت تضم عددا كبيرا من دور السينما والمسارح، وكان يلعب فيها كرة القدم. ويستذكر وجود “مرقص قرب برج الساعة، في كل ليلة كانت هناك حفلة”.

ويصرّ زروق الذي يقطن اليوم في شقة في حي الرمال الراقي غرب غزة على “العودة. لا أريد تعويضا”. ويصغر خليل صرصور زروق بست سنوات، وهو أيضا من مواليد المنشية.

ويقول “استولى اليهود على المنشية ومسحوها مسحا، من بقي حيا خرج لمركز الإيواء في السرايا الحكومية”. لكنه يؤكد أن الإسرائيليين “دمّروا السرايا ولم يبق شيء”.

وقال “كنت طفلا، بدأ اليهود يضربوننا بالهاون”، مضيفا “هرب أهالي يافا إلى الكنيسة التي لم تتسع للناس فلجأوا إلى مخازن البضائع، كان كل البلد في الميناء”.

تتذكّر زكية محمد أبو سويلم أن يهود الهاجانا (مليشيا عسكرية) هاجموا قريتها عاقر قرب الرملة و”حمل الناس أغراضهم وهربوا إما مشيا أو على ظهور الحمير خوفا من حصول مجزرة كما في دير ياسين”.

وفرّت أبو سويلم من عاقر التي ولدت فيها في العام 1935، إلى قرية المغار المجاورة، ومنها إلى قرية يبنا التي تبعد 24 كيلومترا عن يافا، وتعرضت هاتان القريتان أيضا لهجمات، فرحلت مع عائلتها إلى مدينة أسدود ثم المجدل قبل أن يستقر بهم الحال في غزة.

وتقول إن عمها أصيب في بطنه بشظايا قنابل أطلقتها طائرة إسرائيلية وتوفي ودفن على الطريق أثناء فرارهم.

وولد حسن الكيلاني في شباط/ فبراير 1934 في قرية برير في قضاء غزة، وهو يعلّق اليوم في منزله في حي الصبرة في وسط غزة خريطة لهذه القرية تتضمّن أيضا أسماء عائلاتها قبل النكبة، ويحتفظ بطاحونة قمح يدوية وخمسة أباريق قهوة نحاسية أخذها والده معه عند فراره.

وتفيد الروايات أن القرية حوصرت من ثلاث جهات وبقيت الجهة الشمالية مفتوحة لخروج الأهالي منها باتجاه المدن المجاورة ثم إلى غزة.

ويقول الكيلاني “قتلوا الأطفال والكبار، حتى المواشي، الجمال والبقر وحرقوا البلد، أخرجوا الناس بقوة السلاح”.

وشاهد الرجل الثمانيني طائرات إسرائيلية تشبه طائرات رش المبيدات الزراعية “تلقي براميل البارود، فخاف الناس على حياتهم وهربوا” في اتجاه غزة.

وكان محمد الحلو الوحيد في قريته بيت جرجا قرب غزة الذي يجيد القراءة والكتابة، لذلك اختير مختارا لها. ويقول الحلو الذي يحتفظ بمفتاح وشهادات ميلاد وجواز سفر وأوراق لملكية الأرض، إن “البريطانيين دعموا اليهود بالسلاح. أما نحن فكانوا يسجنوننا ويفرضون علينا غرامات إذا حملنا سلاحا”.

ويعتبر أن “إسرائيل لا تريد الصلح”، لذلك “لا عودة إلا بالمقاومة” بالنسبة اليه. ويضيف “الدول العربية جاءت لتنقذنا فأغرقتنا”. ويتابع أن منزله في حي الرمال في غزة “لا يساوي عندي فرن الطابون في بيت جرجا”.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *