Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الخليج

إجلاء الأجانب من السودان بين الدوافع الأمنية

محمد بدري عيد

أثارت عمليات الإجلاء المتسارع للديبلوماسيين والأجانب من السودان خلال اليومين الأخيرين تساؤلات عديدة حول أسبابها ودلالاتها في ضوء الاشتباكات المتواصلة بين طرفي المكون العسكري.

فهل هذه العمليات تعكس قلق ومخاوف المجتمع الدولي من الفوضى الأمنية في السودان والخشية على أرواح المدنيين الأجانب، أم أن ثمة تقارير ميدانية وتقديرات معلوماتية وتوقعات استخباراتية بأن الاقتتال الداخلي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سوف يتحول إلى حرب أهلية ممتدة يكتوي بها السودان وشعبه لسنوات على

غرار ثمانينيات القرن المنصرم.

«الأنباء» استقصت أراء خبراء عسكريين وسياسيين مختصين واستأنست بتقديرات مصادر ديبلوماسية مطلعة بهذا الشأن.

عدم يقين وفوضى أمنية
بداية، أوضح العقيد ركن طيار متقاعد محمد جاسم السري أن هناك عدة مستويات لعمليات الإجلاء في أوقات الأزمات والطوارئ، أولها مستوى التهديد الضعيف حيث تقوم الدول في هذه الحالة بالطلب من مواطنيها عدم السفر إلى الدولة التي تشهد اضطرابا أمنيا أو قلاقل وتنصح رعاياها الموجودين في هذه الدولة باتخاذ اقصى درجات الحذر وعدم مغادرة المنازل، وإذا كان مستوى التهديد أعلى نسبيا تخلي الدول الأجنبية رعاياها المدنيين من غير الديبلوماسيين سواء من مدينة بعينها أو جميع مدن هذه الدولة بحسب الأحوال.

أما في الحالة القصوى للتهديد الأمني فإن الدول عادة ما تقوم بإجلاء جميع رعاياها من الديبلوماسيين والمدنيين، وربما تغلق مقار بعثاتها الديبلوماسية والقنصلية، وهو ما يحدث الآن في السودان، حيث تتسابق دول العالم إلى إعادة مواطنيها جوا وبحرا وبرا.

ويرى العقيد السري أن عمليات إجلاء الأجانب المتسارعة من السودان تشير إلى أن تقديرات الدول وأجهزتها الأمنية المعنية حول ما لديها من معلومات بشأن تطورات الأوضاع الميدانية في السودان، تشير إلى أن الأمور سيئة وربما تتجه نحو الأسوأ، في ضوء حالة عدم حالة عدم اليقين، وارتفاع منسوب المخاوف من الانفلات والفوضى الأمنية، نتيجة عدم وجود حكومة سودانية، ونشوب القتال بين طرفين مشاغبين كل منهما يملك قدرا غير قليل من القوة العسكرية.

ويخلص السري للقول بأنه في وضع مضطرب وغامض كهذا لا يمكن للدول والحكومات ان تغامر بحياة مواطنيها الموجودين على أراضي السودان، فهم يرون أن الأطراف المتقاتلة لا تلتزم بأي ضوابط وتقصف المستشفيات والاحياء السكنية، ما يعني وصول الفوضى الأمنية إلى حد مخيف، ومن ثم جاءت عمليات الإجلاء المتسارع للمدنيين والديبلوماسيين الأجانب.

سيناريو (المتاهة الليبية)
مصادر ديبلوماسية خليجية فسرت لـ «الأنباء» شريطة عدم كشف هويتها إعلان دول كبرى في بداية الأزمة أنها غير متعجلة في إجلاء رعاياها من السودان، ثم سارعت إلى إخراج ديبلوماسييها ومدنييها من هناك، بأن ذلك ربما كان جزءا من خطة هذه الدول لإنجاح عملية الإجلاء، حيث رغبت في إشغال الداخل السوداني وخاصة الأطراف المتحاربة وصرف نظرها عن الرعايا الأجانب، تجنبا لقيام هذا الطرف أو ذاك باستهداف هؤلاء الرعايا بالقتل أو الخطف أو حتى مهاجمة مقار البعثات الديبلوماسية لتلك الدول، كما حدث على سبيل المثال في مهاجمة القنصلية الأميركية في ليبيا، وقتل أحد ديبلوماسييها في مدينة بنغازي قبل سنوات.

ولم تستبعد المصادر الديبلوماسية الخليجية ان يكون لعمليات إجلاء الأجانب هدف آخر يتمثل في الاستعداد لحرب أهلية طويلة وممتدة في السودان، على غرار حالات رواندا وبوروندي وغيرهما في تسعينيات القرن الماضي.

وفي هذا الإطار، رأت المصادر ذاتها ان طول أمد الأزمة السودانية الراهنة أو قصره سيعتمد على عوامل عديدة في مقدمتها الدور المحتمل للقوى الخارجية ذات المصلحة في السودان، ما قد ينذر بدخول هذا البلد العربي في (متاهة) عدم الاستقرار الأمني والسياسي على غرار الحالة الليبية.

مخاطر التحول لدولة فاشلة
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د.محمد صفي الدين خربوش يرى أنه يبدو من تسارع عمليات الإجلاء أن معظم الدول تتوقع استمرار الصراع المسلح في السودان لفترة ليست بالقصيرة، لكنه في ذات الوقت لا يرجح حدوث تدخل دولي، نظرا لانشغال القوى الكبرى بمناطق أخرى، والخشية من السقوط في مستنقع يصعب الخروج منه دون خسائر فادحة، حيث كانت تجربة التدخل الأميركي في الصومال تجربة سيئة ومازالت ماثلة في الأذهان.

ووفقا للدكتور خربوش فإن ما يزيد من احتمالات طول أمد الأزمة الراهنة أنه حتى في حالة حسم الجيش معركة الخرطوم والسيطرة عليها، فمن المتوقع انسحاب قوات الدعم السريع إلى منطقة نفوذها الأساسية في دارفور وخوض حرب طويلة مع الحكومة المركزية تشبه حرب الجنوب قبل الانفصال.

وأضاف أنه في حالة حدوث السيناريو الأسوأ من الحرب الأهلية الممتدة، قد تتحول السودان الى دولة فاشلة، وقد يتيح ذلك للجماعات الإرهابية مثل تنظيم «داعش» العثور على موطئ قدم لها في إحدى بقاع السودان ذي المساحة الشاسعة، لاسيما مع قرب استقرار الأوضاع في سورية (وربما ليبيا واليمن) واستكمال طرد «داعش» من الأراضي السورية، لافتا الى أن ذلك يمثل حال حدوثه المزيد من التهديد للأمن القومي المصري على الحدود الجنوبية.

كما أن أي عدم استقرار في السودان إجمالا يؤثر سلبا بالتأكيد ويهدد الأمن القومي المصري، لاسيما في ظل استمرار أزمة سد النهضة وأهمية التنسيق المصري السوداني في مواجهة التعنت الإثيوبي.

أما بخصوص مسار الحل السلمي للأزمة في المستقبل القريب، يتوقع د.صفي الدين خربوش وجود احتمال ضعيف لنجاح جهود الوساطة لاسيما من قبل الاتحاد الافريقي، معتبرا أن الصعوبة تكمن في إصرار كل طرف من طرفي الصراع المسلح على القضاء على الآخر، وشعور كل منهما بالقدرة على تحقيق ذلك، اعتمادا على الحلفاء المحليين والاقليميين والدوليين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *