Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

ماذا يمكن أن يحدث في قضيّة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل؟

وصلت الحرب على غزّة الآن إلى محكمة العدل الدولية، إذ قدَّمت جنوب إفريقيا في الأيام الأخيرة من عام 2023 التماسًا لإقامة دعوى ضد إسرائيل أمامها. وتزعم جنوب إفريقيا أن سلوك إسرائيل في غزة ينتهك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، سواء من خلال ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، أو من خلال الفشل في منعها، بما في ذلك عدم محاسبة كبار المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم عن تحريضهم المباشر والعلني على الإبادة الجماعية. ويُختتم الالتماس بطلب سلسلة من «التدابير المؤقتة»، بما في ذلك تعليق إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة على الفور.

أثار الالتماس عاصفة هوجاء، حيث تُعتبر تهمة الإبادة الجماعية مؤلمة بشكل خاص للعديد من الإسرائيليين، نظرًا لأن المحرقة التي قُتل فيها ستة ملايين يهودية كانت بمثابة الدّافع وراء الاتفاقية التي تُتهم إسرائيل الآن بانتهاكها. وصرَّح المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، إيلون ليڤي، بغضب أن «دولة إسرائيل ستمثل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لتبديد فرية الدم السخيفة التي قدمتها جنوب إفريقيا»، وقال إن الالتماس في حد ذاته جزءًا من الافتراءات المعادية للسامية ضد اليهود.

نأخذ في هذه المقالة خطوة للوراء لاستكشاف المطالبات القانونية التي قدمتها جنوب إفريقيا في طلبها، والأساس الذي استندت إليه مطالبتهم وأحقيتهم برفع القضية، وما يمكن توقعه مع تطور القضية، والآثار القانونية الأوسع المحتملة لها على الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين. ومهما كان رأي المرء في موضوعية التماس جنوب إفريقيا، فإن هذه القضية توضح أن الشكل الجديد لصلاحية القضايا التي تعترف بها الحكمة مبنية على «مبدأ التزام الأطراف كافة» (erga omne)، وهو ما يمكن أن يحدث ثورة في إنفاذ اتفاقيات حقوق الإنسان التي ظلت لفترة طويلة غير منفذة، إلا أن هذه الجبهة الجديدة تجلب بعض المخاطر على المحكمة أيضًا.

الإجراءات التي أقامتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل

آثار الدمار جراء القصف الإسرائيليّ في غزّة (Getty)

انصب الاهتمام القانوني الدولي في الحرب على قطاع غزّة على الانتهاكات الإسرائيلية المحتملة للقانون الإنساني الدولي أكثر من تركيزه على الانتهاكات المحتملة لاتفاقية منع الإبادة الجماعية. السبب وراء عدم وجود مزاعم تتعلق بالقانون الدولي الإنساني في هذه القضية بسيطاً: لا تتمتع محكمة العدل الدولية بالولاية القضائية عليها، بينما يمكن أن تكون المحكمة الجنائية الدولية قادرة على ذلك، وقد بدأ المدعي العام فيها بالفعل التحقيق في الوضع في قطاع غزة.

وتنص اتفاقية الإبادة الجماعية بشكل مباشر على اختصاص محكمة العدل الدولية. ويتعين على جنوب إفريقيا، لإقامة الولاية القضائية، أن تثبت أن نزاعها مع إسرائيل يتعلق بتفسير أو تطبيق أو تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية. وتحقيقًا لهذه الغاية، ترى جنوب إفريقيا أن النزاع يتعلق بالتزامات جنوب إفريقيا كدولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية بالتعهد بمنع الإبادة الجماعية، وكذلك بامتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتفاقية.

خُصّص جزء كبير من الالتماس لعرض قضية جنوب إفريقيا بأن إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب الاتفاقية. تنطوي الإبادة الجماعية، حسب تعريفها في الاتفاقية، على أفعال، بما في ذلك «قتل أعضاء من جماعة […] بنية تدمير جماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية، كليًا أو جزئيًا».

ويشير التماس جنوب إفريقيا إلى أن الأضرار التي ألحقتها الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول تعتبر أعمال إبادة جماعية. وينصّ على أن إسرائيل «قتلت ما يزيد عن 21,110 فلسطينيين، من بينهم أكثر من 7,729 طفلًا، مع وجودِ أكثر من 7,780 آخرين في عداد المفقودين، يُفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض، وأصابت أكثر من 55,243 فلسطينيًا آخرين» وأن «إسرائيل دمرت أيضًا مناطق شاسعة من قطاع غزة، بما في ذلك أحياء بأكملها، وألحقت أضرارًا أو دمرت ما يزيد عن 355 ألف منزل فلسطيني». يُدينُ الالتماس بشكلٍ لا لبس فيه استهداف حماس للمدنيين واحتجاز الرهائن في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه يقول إنه «لا يمكن لأي هجوم مسلح على أراضي دولة ما مهما كانت خطورته، حتى لو كان الهجوم ينطوي على جرائم فظيعة أن […] يقدّم أي مبرر محتمل لانتهاك» اتفاقية الإبادة الجماعية أو الدفاع عن هذا الانتهاك. وبينما يركز الالتماس في المقام الأول على سلوك إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، فإنه يناقش «السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين خلال نظام الفصل العنصري الذي دام 75 عامًا، واحتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية الذي يستمر من 56 عامًا، وحصار غزة الذي يستمر منذ 16 عامًا».

يعدّ تحديد نية الإبادة الجماعية أمراً صعباً للغاية، لأنه يتطلب إثبات نية محددة لتدمير مجموعة ما كليًا أو جزئيًا. وتزعم جنوب إفريقيا أن مُمارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين «تمثّل إبادة جماعية في طابعها؛ لأنها تهدف للقضاء على جزء كبير من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية»، وتحديدًا الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة. وتشمل هذه الممارسات التي تشير إليها «قتل الفلسطينيين في قطاع غزة، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم، وإخضاعهم لظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم جسديًا». وكدليل على نية الإبادة الجماعية، تشير جنوب إفريقيا إلى التصريحات المتكررة التي أدلى بها ممثلو الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الوزراء والرئيس، وسير العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك ما تقول إنه «فشلهم في توفير أو ضمان الأساسيات من الغذاء والمياه والدواء والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني المحاصر» وقصفها المستمر الذي أجبر «نزوح 1.9 مليون شخص أو 85% من سكان غزة من منازلهم ودفعهم إلى مناطق أصغر، دون مأوى مناسب، حيث ما يزالون يتعرضون للهجوم والقتل والأذى». كما يُحاج الالتماس، إلى جانبه اتهامه إسرائيل بالإبادة الجماعية، بأن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم تشكل تحريضًا على الإبادة الجماعية. وتقول جنوب إفريقيا إن إسرائيل انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال فشلها في قمع «التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية».

وتأكيدًا على خطورة الوضع في غزة، تطلب جنوب إفريقيا عقد جلسة استماع عاجلة لاتخاذ تدابير مؤقتة، أي تدابير انتصاف مؤقتة تُمنح في ظل ظروف خاصة بينما تتواصل إجراءات المحكمة إلى المرحلة التالية، لحماية الشعب الفلسطيني. ويطلب الالتماس، على وجه التحديد، من إسرائيل أن تعلق على الفور عملياتها العسكرية في غزة (وضد غزة)، وضمان عدم تورط الأفراد الخاضعين لسيطرتها في التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، ومحاسبتهم على النحو الذي تقتضيه الاتفاقية إذا فعلوا ذلك «اتخاذ جميع التدابير التي في حدود سلطتها بما في ذلك إلغاء الأوامر ذات الصلة […] التي تمنع […] الناس من الوصول إلى الغذاء والماء الكافيين»، والحفاظ على الأدلة، وتقديم تقارير عن التدابير المتخذة للالتزام بالتدابير المؤقتة التي أُمرت بها، والامتناع عن اتخاذ إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم النزاع أو تمديده أمام المحكمة.

مظاهرة مؤيّدة للفلسطينيّين في لندن (Getty)

ولم ترد إسرائيل حتى الآن على الطلب، لكنها زعمت في وقت سابق أنها نفذت عملياتها العسكرية بما يتماشى مع القانون الدولي وأن بعض الجرائم التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول قد تشكل في حد ذاتها إبادة جماعية، بما في ذلك «قتل أكثر من 1400 إسرائيلي ومواطن أجنبي [تم تعديل الرقم لاحقًا ليصبح أقرب إلى 1200]، وإصابة أكثر من 5500 شخصٍ، وممارسة التعذيب والتنكيل، وحرق الناس أحياء، وقطع الرؤوس، والاغتصاب والعنف الجنسي، وتشويه الجثث، واختطاف ما لا يقل عن 247 رهينة (بما في ذلك أطفال رضع، وأسر بأكملها، وأشخاص من ذوي الإعاقة، وناجين من المحرقة)، وإطلاق آلاف الصواريخ بشكل عشوائي، واستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية.

لِمَ تتمتع جنوب إفريقيا بالأحقَّية لرفع هذه القضية؟

لا تتأثر جنوب إفريقيا، التي تبعد أكثر من 4000 ميل عن غزة، تأثّرًا مباشرًا بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، ولا تدعي أنها تتأثر، لذا قد يتساءل المرء كيف يمكن أن يكون لديها أساس قانوني لرفع هذه القضية؟ على غرار غامبيا في الدعوى التي رفعتها ضد ميانمار بسبب انتهاكها لاتفاقية الإبادة الجماعية، ترتكز جنوب إفريقيا في موقفها على «مبدأ التزام الأطراف كافة»، والذي يسمح لأي دولة طرفٍ في اتفاقية تحمي الحقوق القانونية العامة بإنفاذ تلك الحقوق، حتى لو لم تتأثر الدولة بشكل مباشر بالانتهاك. وتؤكد جنوب إفريقيا، في طلبها، على الطبيعة الآمرة لحظر الإبادة الجماعية، فضلًا عن طبيعة إلزام الاتفاقية لكافة أطرافها، ولأن جميع الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية لديها «مصلحة مشتركة في ضمان منع أعمال الإبادة الجماعية، وعدم إفلات مرتكبيها، في حالة وقوعها، من العقاب»، فإن الأحكام المعنية تولد التزامات تجاه الأطراف كافة، «بمعنى أن لكل دولة طرف مصلحة في الامتثال لها في كل حالات وقوعها»

لقد أحدثت قضية غامبيا ضد ميانمار ثورة في استخدامها لمبدأ التزام الأطراف كافّة. قدمت غامبيا في عام 2019طلبًا أمام محكمة العدل الدولية ضد ميانمار، زاعمة أن سلوكها ينتهك اتفاقية الإبادة الجماعية وطلبت اتخاذ تدابير مؤقتة من المحكمة. وبسماحها بمواصلة القضية، قبلت المحكمة، لأول مرة، الحجيّة بمبدأ التزام الأطراف كافة باعتباره أساسًا وحيدًا يسمح للدول بتقديم الطلبات والالتماسات. وقبلت المحكمة في الآونة الأخيرة الالتماس المشترك الذي قدمته هولندا وكندا ضد سوريا بسبب انتهاكاتها المزعومة لاتفاقية مناهضة التعذيب على أساس «مبدأ التزام الأطراف كافة»، وأمرت المحكمة في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بإصدار أمر مؤقت يُطالب سوريا باتخاذ جميع التدابير لمنع أعمال التعذيب وضمان الحفاظ على الأدلة.

بالإضافة إلى تأكيدها على «مبدأ التزام الأطراف كافة»، تؤكد جنوب إفريقيا أيضًا أن هذا النزاع يتعلق «بالتزاماتها كدولة طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية بالعمل على منع الإبادة الجماعية، التي تؤدي إليها أفعال إسرائيل وتجاوزاتها، وهو ما يعني أنه لجنوب إفريقيا «الحق الصريح في رفع الدعوى». وفي الواقع، في وصفها لالتزامها كدولة طرف بمنع الإبادة الجماعية، تؤكد جنوب إفريقيا أن العديد من الدول وخبراء الأمم المتحدة قد لاحظوا خطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك لجنة القضاء على التمييز العنصري التي تدعو «جميع الدول الأطراف» في اتفاقية الإبادة الجماعية باحترام التزامها بمنع الإبادة الجماعية. وبما أن المحكمة قد قبلت بالفعل «مبدأ التزام الأطراف كافة» فيما يتعلق بالنزاعات الناشئة عن اتفاقية الإبادة الجماعية، وبالنظر إلى أن مطالبات جنوب إفريقيا تتعلق بالأحكام الأساسية للاتفاقية، فمن المحتمل جدًا أن تجد المحكمة أن جنوب أفريقيا لديها بالفعل الحق في رفع دعوى قضائية بهذه الإجراءات القانونية.

ماذا يُتوقع بعد ذلك؟

أعلنت المحكمة في 3 يناير/كانون الثاني، أي بعد أقل من أسبوع من تقديم جنوب إفريقيا التماسها، أنها ستعقد جلسات استماع عامة بشأن طلب التدابير المؤقتة يومي الخميس والجمعة من هذا الأسبوع (11 و12 يناير/كانون الثاني). وستقرر المحكمة بعد ذلك ما إذا كانت ستفرض تدابير مؤقتة. وقد يستغرق هذا القرار أسابيع أو أشهراً. في قضية غامبيا، على سبيل المثال، جاء قرار المحكمة بشأن التدابير المؤقتة بعد شهرين تقريبًا من تقديم غامبيا طلبها (ولكن بعد شهر واحد فقط من جلسات الاستماع العامة)، وفي القضية التي رفعتها كندا وهولندا ضد سوريا، جاء قرار المحكمة بشأن التدابير المؤقتة بعد أكثر من 5 أشهر من تقديم الطلب (لكن بعد ما يزيد قليلًا عن شهر واحد من جلسات الاستماع العامة). في القضية بين أوكرانيا وروسيا، جاء قرار المحكمة بشأن التدابير المؤقتة بعد ما يزيد قليلًا عن شهر من تقديم أوكرانيا لطلبها (وبعد حوالي أسبوعين من جلسات الاستماع العامة).

ستحدد المحكمة في قرارها بشأن التدابير المؤقتة ما إذا كانت تتمتع باختصاص قضائي مبدئي، بما في ذلك ما إذا كانت جنوب أفريقيا قد استندت في طلبها إلى الحقوق والالتزامات التعاهدية التي تعتبر «معقولة»، وما إذا وجدت علاقة كافية بين التدابير التي طلبتها جنوب إفريقيا، والحقوق المطلوب حمايتها. وستنظر أيضًا فيما إذا كان يوجد خطر حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه وحالة الاستعجال، وهما معياران من المرجح أن يتم استيفاؤهما بسهولة في هذه الظروف.

ومن المهم الإشارة إلى أنه في هذه المرحلة الأولية، وفقًا لتشريعات المحكمة (غامبيا ضد ميانمار، الفقرة 56)، ليس من الضروري أن تتوصل المحكمة إلى نتيجة بشأن ما إذا كان سلوك إسرائيل في غزة يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. ويجوز للمحكمة أن تختار فرض بعض، وليس كل، التدابير المؤقتة التي طلبتها جنوب إفريقيا. وعند اتخاذ قرارها، ستأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الحقوق والالتزامات التي تطالب بها جنوب إفريقيا بناء على الأسس الموضوعية، والتي تسعى إلى حل بشأنها، معقولة. ولن يتعين عليها أن تحدد بشكل قاطع أن لديها اختصاصًا للنظر في الأسس الموضوعية، ولن تحتاج إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من عرض الادعاءات «المعقولة» فيما يتعلق بانتهاكات الالتزامات بموجب الاتفاقية. ومن الممكن أن تسمح المحكمة بمواصلة القضية لكنها ستصدر في نهاية المطاف قرارًا ضد دعوى جنوب إفريقيا سواء فيما يتعلق بالولاية القضائية أو بحيثيات القضية.

وإذا انتقلت القضية إلى حيثياتها، فسوف تعقد المحكمة جلسات استماع عامة بشأن النزاع وستصدر حكمها النهائي بشأن ما إذا كانت أفعال إسرائيل ترقى إلى الإبادة الجماعية. وبافتراض السماح للقضية بالمضي قدمًا، فمن المرجح أن يستغرق هذا الحكم النهائي سنوات، إذ أصدرت المحكمة، في قضية غامبيا ضد ميانمار، حكمها النهائي بعد عامين ونصف تقريبًا من أول التماسٍ قدمته غامبيا بطلب اتخاذ تدابير مؤقتة.

التداعيات المحتملة للقضية

يمكن أن يكون للقضية عدد من التداعيات. وقد سلَّطت بالفعل المزيد من التركيز على الادعاءات القائلة بأن التدخل العسكري الإسرائيلي ينتهك القانون الدولي، وعلى وجه التحديد الادعاءات المتعلقة باتفاقية الإبادة الجماعية. ولم يكن التماسُ جنوب إفريقيا هو التأكيد الأول من نوعه في محكمة قانونية. فقد رفع مركز الحقوق الدستورية (في الولايات المتحدة الأميركية) دعوى قضائية أمام محكمة محلية أميركية يقدم فيها حججًا مماثلة في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني. وتقول شكواه إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة في انتهاك لاتفاقية الإبادة الجماعية. وتقول القضية، التي لم تُرفع ضد إسرائيل، بل ضد مسؤولين أميركيين، إن فشل الولايات المتحدة في ممارسة نفوذها على إسرائيل لمنع الإبادة الجماعية يعدُّ فشلًا في منع الإبادة الجماعية فضلًا عن التواطؤ في تنفيذها. وسعت الدعوى، من بين أمورٍ أخرى، إلى إصدار إعلان بأن المسؤولين الأميركيين قد انتهكوا واجبهم بموجب القانون الدولي العرفي لمنع إسرائيل من ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية، كما تسعى إلى إصدار أمر قضائي يأمرهم باتخاذ جميع التدابير التي في وسعهم لمنع إسرائيل من ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية.

لا تتعلق قضية جنوب أفريقيا بشكل مباشر بهذه الدعوى القضائية المحلية، والتي تعدُ فرص نجاحها ضئيلة للغاية، ولكن من الممكن أن تضفي مصداقية على المزاعم الأساسية التي تستند إليها الدعوى القضائية الأميركية. وحتى لو فشلت الدعوى التي رفعها مركز الحقوق الدستورية، فإن هذه المزاعم تثير سلسلة من الأسئلة الصعبة بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة. باعتبارها طرفًا في اتفاقية الإبادة الجماعية، فإن الولايات المتحدة ملزمة باتخاذ إجراءات إيجابية لمنع الإبادة الجماعية. إذا وجدت محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب إفريقيا قضية ظاهرة الوجاهة، وتقع ضمن دائرة اختصاصها، فقد يجبر ذلك المحامين داخل حكومة الولايات المتحدة على النظر، على سبيل المثال، في شرعية المساعدة المالية والعسكرية المستمرة لإسرائيل.

يحظر القانون الأميركي المعروف باسم قانون ليهي تقديم المساعدة العسكرية لقوات أمن أجنبية عندما تتوفر معلومات موثوقة تشير إلى تورط تلك القوات في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وكما كتب بريان فينوكين، فإن الدعم المالي والعسكري الأميركي لإسرائيل يتضمن مجموعة من المحظورات القانونية المحلية الأخرى. وهذه المخاوف ليست جديدة على الصراع الدائر. إذ استقال جوش بول، المسؤول بوزارة الخارجية في أكتوبر/تشرين الأول من المكتب الذي يشرف على عمليات نقل الأسلحة إلى الدول الأجنبية، مشيرًا على وجه التحديد إلى اعتراضه على المساعدة العسكرية التي تقدمها الإدارة لإسرائيل. وقد تعطي القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ثقلًا لهذه المخاوف القائمة منذ زمن طويل، سواء انحازت المحكمة إلى جانب إسرائيل في مزاعم التحريض على الإبادة الجماعية أو منع أعمال الإبادة الجماعية.

كما يعتبر القانون الأميركي الإبادة الجماعية، وكذلك التحريض على الإبادة الجماعية، جريمة جنائية. ولا ينطبق القانون فقط على المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة، بل أيضًا على «الموجودين في الولايات المتحدة». من غير المرجح، ولكن ليس من المستحيل، أن قضية محكمة العدل الدولية، من خلال إضفاء مصداقية على ادعاءات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، يمكن أن تجعل من الصعب على المسؤولين الإسرائيليين المشاركين في المجهود الحربي السفر إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أن القول الفصل في مثل هذه القرارات سيكون في أيدي وزارة العدل الأميركية.

ليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي ستواجه هذه القرارات مع تقدم القضية، بل يُرجّح أن تنشأ قواعد قانونية مماثلة في دول أخرى بسبب مزاعم الإبادة الجماعية، خاصة إذا انتقلت القضية إلى مرحلة الأسس الموضوعية. إلا أن اتخاذ قرار لصالح إسرائيل قد يضع حدًا لكل هذه المخاوف.

وتوجد آثار واسعة النطاق لهذه القضية وتتعلق بقانون حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية نفسها. إذا سمحت محكمة العدل الدولية بالمضي قدمًا في القضية، فإنها ستزيد من ترسيخ مكانتها تجاه الأطراف كافة بوصفها أداة جديدة مهمة في إنفاذ القانون الدولي لحقوق الإنسان، مما يوضح أن قراراتها في قضيتي غامبيا وسوريا لم تكن متطرفة. وأيًا كانت وجهة نظر المرء بشأن الطلب الذي تقدمت به جنوب إفريقيا، فإن هذا قد يشكل خطوة مهمة إلى الأمام فيما يتصل بإنفاذ قانون حقوق الإنسان، وترسيخ أداة جديدة مهمة لضمان قدر أعظم من الامتثال لالتزامات الاتفاقيات التي ظل تنفيذها دون المستوى المطلوب لفترة طويلة.

وتوجد أخطار أخرى أيضًا، كما سنوضح بالتفصيل في مراجعتنا القانونية القادمة حول أساس «مبدأ التزام الأطراف كافة»، فزيادة المنازعات على أساسه، يمكن أن يؤدي بالدول إلى تقليل استعدادها للانضمام أو البقاء في الاتفاقيات التي قد تؤدي إلى مثل هذا الموقف. إن توسيع نطاق «مبدأ التزام الأطراف كافة» قد يؤدي بالدول إلى رفض الامتثال لقرارات المحكمة وبالتالي تقويض شرعيتها. ويمكن أن يؤدي توسيع نطاق تطبيق المبدأ إلى إدامة عدم المساواة في إنفاذ القانون الدولي إذا تم رفع تلك الدعاوى في المقام الأول من قبل دول ذات موارد أفضل ضد دول أقل منها (هذه ليست مشكلة في القضية الحالية، ولكن يمكن أن تكون كذلك في قضايا مستقبلية).

خاتمة

تواجه محكمة العدل الدولية اختبارًا مهمًّا. إن ظهور «مبدأ التزام الأطراف كافة»، الذي جعل هذه القضية ممكنة، تطور جديد ومهم في قانون حقوق الإنسان، بيد أنه قد يضع المحكمة، على نحو متزايد، وسط نزاعات قانونية وسياسية شائكة. ومن الممكن أن يشكل ذلك خطرًا، ليس أقله على المحكمة نفسها. إلا أنه قد يكون مفيدًا، في جلب المناقشات المشحونة حول شرعية العمل إلى إطار قانوني حيث يتم اختبار الحجج أمام المحكمة التي يجب عليها بعد ذلك أن تشرح منطقها القانوني للعالم، بدلًا من تبادل الاتهامات العلنية، وهذا في نهاية المطاف هو ما يتطلّع إليه أي نظام قانوني مشروع.


نُشرت هذه المادّة باللغة الإنجليزيّة في justsecurity.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *