Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

تساؤلات حول الجائزة و”قناع بلون السماء”

أثار فوز رواية الأسير الأمنيّ باسم خندقجي “قناع بلون السماء” بجائزة البوكر العربيّة، ارتياحًا لدى المهتمّين بالشأن الأدبيّ، ومن جهة أخرى أثار لدى بعضهم تساؤلات عن علاقة الجائزة بالجهة الّتي تقدّمها، وما هو تأثيرها الإعلاميّ، وإذا ما كانت الجائزة توظّف لخدمة السياسة لهذا الطرف أو ذاك، وهل هي جائزة أدبيّة صرفة من غير علاقة بالسياسة ولو بصورة التفافيّة!

بل ذهب البعض إلى التساؤل: كيف سمح الاحتلال الصهيونيّ لأسير أمنيّ بالكتابة من داخل السجن، وكيف حصل على الورق للكتابة؟! فالعمل الروائيّ يحتاج إلى كثير من الورق، أم أنّ لدى السجناء الأمنيّين أجهزة كمبيوتر؟ وإذا كانت سلطات الاحتلال تسمح بكلّ هذا! فهل تقدّمه من غير مقابل! وإذا كانت الرواية تدين الاحتلال، وتدعو إلى مقاومته، فكيف يسمح الاحتلال بإخراجها من السجن، فالاحتلال يطّلع على المراسلات من السجن وإليه! “أليس في هذا ما يخدم ويلمع ديمقراطيّة الاحتلال، ويظهره على غير حقيقته الإجراميّة!

التساؤلات مشروعة، عن حياة السجون، وعن حقوق السجناء، وخصوصًا عندما يتعلّق الأمر في الإنتاج الفكريّ المقاوم للاحتلال.

معاملة الأسرى الأمنيّين كانت سيّئة جدًّا، لأنّه لا يوجد احتلال جيّد أو رحيم، ولا يوجد سجون جيّدة، حتّى ولو كانت فنادق خمسة نجوم، خصوصًا عندما تكون مكتظّة بسجناء الحرّيّة، وقد ازدادت السجون سوءًا وظلامًا وقهرًا منذ صعود حكومة نتنياهو الفاشيّة الحاليّة الّتي تسعى إلى انتزاع ما حقّقته الحركة الفلسطينيّة الأسيرة من حقوق أنجزتها عبر تاريخها الكفاحيّ الطويل، وازداد السجّان توحّشًا بعد السابع من أكتوبر 2023.

تمكّن السجناء الأمنيّون منذ السبعينيّات من القرن الماضي بنضالهم في الحصول على كتب المطالعة، وعلى كمّيّات من الورق للكتابة بواسطة الصليب الأحمر، وصولًا إلى الحقّ في التعليم العالي في الجامعات الإسرائيليّة المفتوحة، وحصل بعضهم على ألقاب جامعيّة خلال فترة سجنه الطويلة.

أصدر السجناء منشورات أدبيّة داخليّة، وصدر عدد من الدواوين الشعريّة والمجموعات القصصيّة والروايات لسجناء خلال فترة مكوثهم في السجن، بعدما تمكّنوا من إرسال إبداعاتهم إلى خارج السجون.

كذلك نشرت عشرات المؤلّفات لسجناء أمنيّين سابقين، تناولت الوطن المحتلّ عمومًا والصراع ضدّ الاحتلال، وبعضها تناول حياة الكاتب الشخصيّة قبل سجنه وخلاله وبعده، وأخرى إبداعات خارج صندوق السجن، ترتقي إلى الهموم الإنسانيّة العامّة.

“قناع بلون السماء” ليست رواية باسم خندقجي الأولى، فقد صدر للكاتب عدد من المؤلّفات بين نثر وشعر وهو داخل السجن، وكتب أسرى غيره، منهم الشهيد وليد دقّة الّذي كتب “حكاية سرّ الزيت” إضافة إلى دراساته الفكريّة، كذلك السجين ناصر أبو سرور الّذي كتب رواية “حكاية جدار” من سجنه، ونشرت عشرات المؤلّفات بعد خروج أصحابها من السجن، وخصوصًا في سنوات الانتفاضة الأولى وما تلاها لا مجال لذكرها لكثرتها.

ليس من المستبعد في العقدين الأخيرين الكتابة بواسطة الرسائل النصّيّة من خلال الهاتف، فللأسرى طرقهم في الحصول على أجهزة الهاتف، وقد تكون هذه الوسيلة الأسرع إذا ما توفّرت.

تساءل البعض عن علاقة دولة الاحتلال بالجهة المانحة للجائزة، وهي مركز أبوظبي للّغة العربيّة التابع لوزارة الثقافة والسياحة، وإذا ما كان منح الجائزة لهذه الرواية بالذات مقصودًا للتغطية على موقف دولة الإمارات من دولة الاحتلال وتبييضه، أو محاولة للتخفيف من صورة الاحتلال القاتمة!

يمكن للرواية، أيّ رواية مهما كانت عظيمة، أن تثير جدلًا أدبيًّا حول قيمتها الأدبيّة وهذا شرعيّ، ومن حقّ الباحثين تقييم موضوعيّة الجهات المانحة للجوائز الأدبيّة وأهدافها، وهذا لا يضرّ العمل الأدبيّ بذاته.

لم أقرأ الرواية الفائزة بعد ولكن قرأت أكثر من مقالة عن الرواية، نشرت قبل أو بعد ترشّحها للجائزة، قرأت لخالد جمعة، ولباسم سليمان، وأحمد الفخراني، وعبد الرحيم الشيخ، ولبّابة صبري وغيرهم، وجميعهم يقرّ بقيمتها الأدبيّة المهمّة، كإضافة نوعيّة إلى الأدب الفلسطينيّ والعربيّ، هذا إضافة إلى تقييم لجنة التحكيم وتعليل سبب منحها الجائزة. تنطلق الرواية إلى آفاق من الخيال حيث يتقمّص بطل الرواية وهو فلسطينيّ لاجئ يدعى نور شخصيّة شابّ يهوديّ يدعى أور، ليلعب دوره في محاولة للدخول في شخصيّته وتحليلها، مع ربطها بمحاولات الاحتلال شرعنة احتلاله لفلسطين من خلال التنقيب في الأرض والعمل في الآثار، وفي النهاية يعترف أور بفشله.

الرواية لا تتحدّث عن السجن ومعاملة السجناء ومعاناتهم داخل أو خارج السجون، وهو ما اعتدنا أن نسمّيه أدب السجون، فهي تغوص في التاريخ، وفي الخيال والبحث ولعبة الأقنعة، وتكشف زيف ادّعاءات الاحتلال بما يتعلّق في علاقته بالأرض، حتّى أنّ أور يخشى بأن يختفي إذا ما نظر إلى الفلسطينيّ كإنسان.

علينا توخّي الحذر من التقييمات العشوائيّة، الّتي تسيء إلى جهود الكتّاب وإبداعاتهم، وخصوصًا عندما يكون هؤلاء الكتّاب قد دفعوا أعمارهم في سجون الاحتلال؛ بسبب ولائهم وانتمائهم المطلق لقضيّة شعبهم وطموحه إلى الحرّيّة، لهذا يجب فصل الإبداع الأدبيّ عن الجهات الّتي تمنح الجوائز كائنًا من كانت، لأنّ العمل الإبداعيّ يحمل قيمته الفنّيّة بذاته، وهذا ينطبق على هذا العمل الهامّ، وعلى أعمال أدبيّة راقية سبقته وحصلت على هذه الجائزة أو غيرها من جوائز، وما ينطبق على هذه الجهة المانحة للجائزة قد ينطبق على غيرها ممّا تمنحه الأنظمة أو جهات أخرى وراء المحيط من جوائز، ولهذا يجب النظر والتقييم للعمل الفنّيّ والأدبيّ من غير التفات إلى من يمنح وإلى من يمنع.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *