Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

“الانتخابات المحلية فرصة لإحداث التغيير والتأثير”

يكتسب الحكم المحلي بين العرب الفلسطينيين في إسرائيل أهمية خاصة، إذ يشعر الفرد منا داخل قريته أو مدينته بأنه في “مملكته الخاصة” التي يمتلك حق إدارة شؤونها الداخلية وتصريف أمورها اليومية والحياتية.

وتنبع أهمية الحكم المحلي ليس من كونه المورد الاقتصادي شبه الوحيد فقط، بل لأنه، أيضا، مساحة “الأوتونوميا” التي يشعرون فيها بنوع من الاستقلال النسبي وحرية الإمساك بزمام قيادة مجتمعهم وانتخاب ممثليهم وإدارة شؤون مدنهم وقراهم بأنفسهم.

وتحظى انتخابات السلطات المحلية المزمع إجراؤها يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، باهتمام بالغ، وتشغل الرأي العام في الشارع العربي في البلاد.

حول انتخابات السلطات المحلية القريبة وأثرها وتداعياتها على المجتمع العربي، أجرينا هذا الحوار مع المحاضر والباحث في علم الاجتماع، د. نهاد علي:

نهاد علي

“عرب 48”: لا مجال للمقارنة في مستوى الحشد والشحن والجدل والانقسام الذي يشهده الشارع العربي في كل قرية ومدينة بين انتخابات الكنيست والانتخابات المحلية، فالأخيرة تلامس على ما يبدو مصالح ومشاعر الفلسطينيين في إسرائيل وتشحذهم أكثر بكثير، لماذا؟

علي: عموما، انتخابات الحكم المحلي في المجتمع العربي لها مميزاتها الخاصة، نسبة التصويت عالية جدا، تزداد في حالات معينة إلى ما فوق 90% ويتم خلالها استنفار كل القوى وحشد الطلاب الذين يدرسون في البلاد وخارج البلاد، وهذا يدل على أن انتخابات الحكم المحلي في مجتمعنا هي رافعة اجتماعية سياسية لا مثيل لها، لا عند الأقليات في الدول الغربية ولا عند المجتمع الإسرائيلي الذي تصل نسبة التصويت لديه 40 – 50%.

من المهم أن ننوه أيضا أن إمكانية إحداث تغيير عن طريق انتخابات السلطة المحلية هائلة جدا، بمعنى أن نوعية رئيس السلطة المحلية من شأنها أن تقرر مصير البلدة لخمس سنوات قادمة، وأعتقد أن إمكانية التأثير من ساحة الحكم المحلي هي أكبر بكثير من إمكانية التأثير عن طريق البرلمان (الكنيست) أي أن رئيس سلطة محلية نوعي يملك تأثيرا في بلدته أكبر من عضو برلمان.

“عرب 48”: في مجتمعه أيضا؟

علي: صحيح، لذلك نلاحظ أن الحكم المحلي هو حلبة الحراك السياسي الاجتماعي الاقتصادي الأساسية التي تتم فيها موضعة القوى الاجتماعية السياسية داخل المجتمع، سواء كانت القصية دينية، أو اثنية، أو الحمائل، أو مكانة المثقفين، أو مكانة المرأة، أو الشباب وغيرها، هنا توجد إسقاطات كبيرة جدا على كافة الأطر المحلية داخل مجتمعنا.

كذلك فإن الحكم المحلي هو ليس فقط “حراك سياسي واجتماعي”، بل إن الكثير من أبناء مجتمعنا ينظرون إلى السلطة المحلية على أنها مكان تشغيل، وخاصة للنساء، حيث نلاحظ أن أكثر من 70% من النساء المتعلمات مكان عملهن إما في وزارة التربية والتعليم وإما في الحكم المحلي،

“عرب 48”: هو فعلا مكان تشغيل؟

علي: صحيح، ولكن النظرة والتعامل مع المجلس المحلي كمكان تشغيل يزيد عمليا من نسبة الفساد والرشوات بشكل كبير في مجالسنا المحلية والبلدية، وعلى سبيل المثال فإن رؤساء المجالس في المجتمع اليهودي لا يتدخلون في التعيينات البسيطة في حين أن رئيس المجلس العربي يتدخل في تعيين بواب المدرسة وعاملة النظافة ويستثمر ذلك انتخابيا.

من هنا تزداد الوعودات الانتخابية ويصبح اختيار رئيس السلطة المحلية مشوب بالمصالح والمنافع والرشوة ولا يقوم على أساس النزاهة والكفاءة والنوعية، واللافت في أحد الأبحاث التي أجريتها أن 47% من المواطنين العرب لا ينظرون للوعد بوظيفة مقابل تصويتهم على أنه رشوة أو فساد، بل يتعاملون معه كشيء طبيعي وشرعي.

“عرب 48”: هي عملية إفساد للقيم المجتمعية يتهم بها المرشحون الذين يمارسون هذا النوع من الوعودات والرشوات والعطاءات؟

علي: نعم، لذلك يقول المواطن العادي، هو سيصبح رئيس مجلس ويعبئ جيوبه وجيوب من حوله فلماذا لا يطولني من الطيب نصيب، كذلك نلاحظ أن المرشحين للحكم المحلي لا يتحدثون في لقاءاتهم مع الناس عن الصالح العام، وكأن هذا الأخير ليس جزءا من أجندتهم أو أنه على هامشها وليس في صلبها، كما نلاحظ أن الإيديولوجيات أصبحت شبه غائبة في الحكم المحلي وأن هناك تراجع غير طبيعي للبعد القومي وبعد الهوية.

من هنا فإن رئيس سلطة نوعي، جدي، مثقف ومناضل يستطيع أن يصيغ عملية النضال داخل المجتمع الذي يعيش فيه، ويصيغ بناء الهوية من جديد، خاصة عند الشباب، ناهيك عن المرافق التي من الممكن أن يطورها وأثرها على منع الجريمة داخل المجتمع.

“عرب 48”: نعرف أن يوم الأرض 76 والمد الوطني الذي رافقه أحدث تحولا في السلطات المحلية وكسر ما كانوا يسمون بعكاكيز السلطة التي استبدلت بوجوه وطنية شابة غالبا؟

علي: منذ قيام إسرائيل وتشكيل المجالس المحلية العربية في الستينيات والسبعينيات، لاحظنا أن غالبية من تنافسوا على رئاسة السلطات المحلية كانوا من الحمائل الكبيرة أو ممن يسموا عكاكيز السلطة وهو وضع تواصل حتى أواسط ونهاية السبعينيات، حيث حدث التحول بفعل يوم الأرض والانقلاب الذي قاده توفيق زياد في بلدية الناصرة وانعكاس ذلك على مجمل الحكم المحلي.

وقد لاحظنا في تلك الفترة التي استمرت من أواخر السبعينيات وحتى أواسط التسعينيات ميزتين أساسيتين، الأولى تصدر المشهد من قبل مرشحين من الطبقة الوسطى، أطباء ومهندسين ومحاسبين وغيرهم، والثانية ظهور الحس الوطني كركيزة أساسية للمرشحين في عملية المنافسة مع ممثلي السلطة وعكاكيزها، بفعل تزايد الوعي السياسي والصحوة الوطنية التي أحدثها يوم الأرض والتنافس بين الجبهة والحركة التقدمية وأبناء البلد، والتي ساهمت في بث روح إيديولوجية وطنية بشكل قوي.

المرحلة الثالثة التي بدأت من منتصف التسعينيات، والتي أسميتها في إحدى مقابلاتي بـ”الأمركة” فقد بدأ يدخل خلالها أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب المصالح التجارية بشكل قوي جدا، وهذا بدأ يدخل عنصر الفساد الاقتصادي للحكم المحلي.

أما المرحلة التي نمر بها اليوم فهي المرحلة الأصعب، وهذا يدخلنا لخصوصية الانتخابات الحالية وتتميز بمحاولة سيطرة منظمات الإجرام على الحكم المحلي في المجتمع العربي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إما بالسيطرة الشخصية على منصب رئيس السلطة المحلية أو دعمها لرئيس المجلس المحلي بطريقة غير مباشرة من أجل الحصول على موارد الحكم المحلي وعطاءاته، وبالتالي السيطرة على المبنى الاقتصادي للسلطات المحلية.

“عرب 48”: أنت تتحدث عن دخول منظمات الإجرام كطرف في اللعبة الانتخابية المحلية؟

علي: تتميز الانتخابات الحالية ببعدين أساسيين، الأول هو محاولة منظمات الإجرام دخول الحكم المحلي من أوسع أبوابه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والثاني أن هناك أهمية خاصة لدخول مرشحين نوعيين إلى الحكم المحلي في ظل الحكومة الطاغية المجنونة الفاشية، وهو بعد ازداد أهمية في ضوء المحاولة الأخيرة في حجب مخصصات وميزانيات عن المجالس العربية.

وأنا لا أستبعد أن تُفرض في ميزانية 2024 شروط وإملاءات على رؤساء المجالس المحلية العربية لقاء الحصول على الميزانيات، لذلك من المهم أن يكون مرشحين واعين لهذه القضية ومستعدين لمواجهتها، من خلال إعادة بناء وتقوية لجنة المتابعة وعدم السماح بتهميشها أو القضاء عليها.

والتجربة تقول إن إخراج مؤسسات وجمعيات وأحزاب عن القانون هي عملية سهلة في إسرائيل، مثلما حصل مع الشق الشمالي للحركة الإسلامية، التي كانت عملية إخراجها عن القانون إحدى أكبر الضربات الأساسية التي تلقاها المجتمع العربي، ويجب أن نعترف بأننا فشلنا كمؤسسات وقيادات وجماهير في حماية الحركة الإسلامية (الشمالية)، ويجب أن نمنع تكرار ذلك مع مؤسسات أخرى.

“عرب 48”: هناك تلويح بإخراج لجنة المتابعة عن القانون؟

علي: يجب أن نتوقع من هذه الحكومة كل شيء ونستعد لمواجهة أسوأ الاحتمالات، ونعمل على تقوية وتدعيم هذه الأجسام التمثيلية وعلى رأسها المتابعة ولجنة الرؤساء ورفدها برؤساء نوعيين وبث روح المصلحة العامة والمصلحة الوطنية فيها.

“عرب “48: دعنا نذكر أنه بالإضافة إلى إخراج الحركة الإسلامية (الشمالية) عن القانون جرى أيضا محاصرة التيار الوطني ممثلا بأبناء البلد والتجمع وملاحقته وصولا إلى استبعاد التجمع عن الساحة البرلمانية تمهيدا لاقتلاعه من الساحة السياسية، والتخلص بذلك من التيارات التي يسمونها بقاموسهم “انفصالية” مقابل تعزيز تيار الأسرلة الاندماجي؟

علي: صحيح، لذلك من المهم جدا أن يعود الجناح الشمالي للحركة الإسلامية إلى ساحة العمل الجماهيري ولو بشكل غير مباشر، لأن وجوده مهم. ومن المهم أيضا أن يعود التجمع لبناء الأساسات عن طريق السلطة المحلية، ارتباطا مع الجملة الأساسية التي افتتحنا بها بأن الحكم المحلي هو رافعة سياسية واجتماعية ورافعة اقتصادية، والحراك السياسي في هذه الساحة في غاية الأهمية، وما يميز التجمع والحركة الإسلامية (الشمالية) أن حديثهما غير متلعثم وطريقهما واضحة جدا والبعد قومي هو بعد أساسي في رسالتهم السياسية، لا يترددوا في الرسالة التي يبعثوها، حتى لو كان الثمن الذي يدفعوه غاليا.


*د. نهاد علي: رئيس قسم المجتمع العربي بمؤسسة “صموئيل نئمان” بالتخنيون، ومحاضر كبير في قسم علم الاجتماع وعلم الإنسان بكلية الجليل الغربي وجامعة حيفا.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *