Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

غزّة… البقعة النائية المنسيّة | أرشيف

طفلة تحتضن رضيعًا بالقرب من جدار عسكريّ إسرائيليّ في قطاع غزّة، 1989 | Getty.

 

المصدر: «مجلّة الأديب».

الكاتب: رشاد الشوا.

زمن النشر: 1 شباط (فبراير) 1955.

 


 

يحتاج العالم العربيّ إلى التذكير بأنّه لا يزال هنالك جزء عربيّ من فلسطين اسمه قطاع غزّة، وأنّ هناك يعيش ثلث مليون عربيّ، آلوا على أنفسهم الاحتفاظ بهذا الجزء من أرض الآباء، ليكون نقطة ارتكاز تعتمد عليه الأمّة العربيّة متى حان الوقت لاستعادة الوطن المغتصب.

يبلغ طول قطاع غزّة من الشمال إلى الجنوب حوالي أربعين كيلومترًا، تبدأ من قرية بيت لاهيا الّتي تبعد تسعة كيلو مترات شمال غزّة، وتنتهي في قرية رفح المتاخمة لحدود مصر.

ويبلغ معدّل عرض القطاع من البحر إلى أقصى حدوده شرقًا أربعة كيلومترات، ويتألّف من مئة ألف دونم من الأراضي الزراعيّة، ومثلها من كثبان الرمل ممتدّة على ساحل البحر.

ويقطن هذا الشريط الضيّق من أرض فلسطين حوالي ثلث مليون عربيّ، بينهم مئتا ألف نزحوا عن قراهم الواقعة أصلًا ضمن منطقة غزّة، والبقيّة هم سكّان مدينتي غزّة وخان يونس، وبعض المدن والقرى الجنوبيّة.

ولكي يستطيع القارئ تبيان مدى قسوة الأوضاع الّتي يعيش فيها هؤلاء الإخوان، يجدر به أن يعلم أنّ منطقة غزّة قبل كارثة فلسطين كانت تبلغ مساحتها ثلاثة عشر مليون دونم، تمتدّ من رفح جنوبًا إلى قرية الفالوجة شرقًا ثمّ إلى ’أسدود‘ شمالًا، وإلى قرية بئر السبع فالعقبة على البحر الأحمر جنوبًا بشرق.

وكان السكّان يزرعون منها حوالي ثلاثة ملايين دونم هي الأرض الصالحة للزراعة المنتظمة، والباقي كان يستعمله السكّان مراتع ومراعي للماشية، وكانت هذه المنطقة الّتي تبغ خمسي مساحة فلسطين، تموّن البلاد بحاجاتها من الحبوب، أي الحنطة والشعير والذرة وخلافها، وكذلك اللحوم.

وكانت هذه الأراضي هي المجال الحيويّ لسكّان المنطقة الّذين بلغ عددهم 260000 نسمة، بموجب إحصاء 1946. فإذا قارنّا بين مساحة منطقة غزّة وعدد سكّانها قبل الكارثة، وبين مساحتها وعدد سكّانها اليوم، تجلّت لنا فداحة الكارثة، وأدرك القارئ مدى سوء الحالة الّتي يعيش فيها ثلث المليون عربيّ.

وتقوم «وكالة غوث اللاجئين» بمساعدة 20600 لاجئ من أصل الثلث مليون. وتقدّم لهم المساعدات الغذائيّة والخدمات الصحّيّة والاجتماعيّة والتعليميّة، وهي مساعدات لا تتعدّى قول القائل: “قوت كي لا يموت”.

وتقدّم الحكومة المصريّة إعاشة لحوالي ستّين ألفًا من السكّان، كما تهيّئ الأسباب لتعليم أبناء القطاع من غير اللاجئين. وهي تساعد عددًا من الطلبة الجامعيّين في مصر، وتعفيهم من الأقساط الجامعيّة، وتدفع إعانة لكلّ واحد منهم، مبلغ ستّة جنيهات مصريّة شهريًّا. وعدد الطلبة الجامعيّين من قطاع غزّة ينوف عن خمسمئة طالب.

أمّا عدد التلاميذ والتلميذات في مدارس القطاع الابتدائيّة والثانويّة، فيزيد اليوم عن ستّين ألفًا. وقد أُقيمت في غزّة مدرسة صناعيّة تعاون على إقامتها الحكومة المحلّيّة و«وكالة غوث اللاجئين»، وتُعْتَبر من أرقى المدارس الصناعيّة في الشرق العربيّ. وممّا لا شكّ فيه أنّه سيكون لهذا العدد الضخم من التلاميذ والتلميذات، كلمة لها وزنها وخطورتها في تقرير مصير فلسطين وتحريرها.

وتشرف الإدارة المصريّة في قطاع غزّة على الشؤون الصحّيّة، وتبذل جهودًا مشكورة للمحافظة على الصحّة العامّة، وتبذل حكومة الثورة عن طريق الإدارة المصريّة في غزّة، مجهودات كبيرة للتخفيف من حدّة سوء الحالة في القطاع، غير أنّ هذه الجهود لا تكفي لتغيير الوضع تغييرًا أساسيًّا، لضيق الرقعة وفقرها وانعدام مواردها بفقدان أراضيها ومجالها الحيويّ.

هذه لمحة خاطفة عن قطاع غزّة، البلد المنسيّ. وإنّني إذ أختم كلمتي هذه، أغتنم المناسبة لأوجّه دعوة أخويّة إلى جميع إخواننا الصحافيّين في لبنان، وفي جميع الأقطار العربيّة الشقيقة، ليزوروا قطاع غزّة، ويقدّموا صورًا واضحة عنه إلى الشعوب العربيّة، ويبرزوا أهمّيّة دعم هذا الجزء من أرض الوطن العربيّ، ومساندته معنويًّا وماديًّا، ليستطيع الصمود حيث هو؛ إذ أنّ في صموده خدمة لا تقدّر بثمن للخطط الإستراتيجيّة العربيّة.

 


 

عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة – ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.

 


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *