Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

“قتل الفلسطينيين خارج إطار القانون من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية”

غزاوي: “هناك خط رابط بين سلوك الشرطة وانعدام المساءلة المُمنهج في هذا السياق، وبين بنية النظام في إسرائيل الذي يرسخ الفوقية والسيطرة الإثنية لليهود من خلال مبنى النظام الدستوري والتشريعي والإداري والجغرافي”.

في دراسة بعنوان “الإعدامات الميدانية – فلسطينيون من مناطق الـ48 قتلوا على يد أجهزة الأمن الإسرائيلية خارج إطار القانون” يرصد الباحث ساهر غزاوي 79 حالة قتل لشبان من مناطق الـ48 في الفترة الواقعة من عام 2000 وحتى عام 2022 في ما يصفها بسياسة “الإعدام الميداني” الممارسة ضد الفلسطينيين من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية.

وتشير الدراسة إلى أن هذا العدد يشكل خمسة أضعاف عدد الذين قتلوا برصاص الشرطة من المجتمع اليهودي (16 قتيلا)، علما أن عدد السكان اليهود يزيد عن العرب الفلسطينيين بأربعة أضعاف، ناهيك عن أن معظم الذين قتلوا من اليهود هم من ذوي الأصول الإثيوبية الذين يعانون أيضًا من سياسة التمييز العنصري ومن ظروف معيشية متدنية.

ويقول غزاوي في مقدمة الدراسة التي ستصدر قريبا عن مؤسسة “ميزان” الحقوقية، إنه على مدار أكثر من 70 عامًا اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسة عنصرية تمييزية تجاه المواطنين الفلسطينيين في أراضي الـ48 حملة الجنسية الإسرائيلية الذين تتعدى نسبتهم اليوم من مجمل السكان في إسرائيل الـ21%.

وعلى هذا الأساس اعتبرتهم (السلطات الإسرائيلية) مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، وهامشيين ومهمشين من حيث تفضيلات الحكومة وحقوقهم الفردية والجماعية كأقلية وطن أصلانية تعيش على أرضها وفي وطنها، واعتبرتهم يمثلون تهديدًا وخطرًا في وطنهم على غيرهم، ومثلت الأجهزة الإسرائيلية أداة قمع لتنفيذ هذه السياسة، وبالتالي هي لا تحول دون معاملتهم على هذا الأساس؛ وفقا لأقوال غزاوي.

ويرى أن هذه السياسة لاقت ترجماتها في تعامل سلطات الأمن الإسرائيلية مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في الماضي والحاضر بشكل عدائي باستسهال الضغط على الزناد وإطلاق النار من قِبل عناصر الشرطة وحراس الأمن الإسرائيلي على مواطنين فلسطينيين، دون مبرر في معظم الحالات وذلك لمجرد الشك بأن المواطن الفلسطيني “يشكل خطرًا” أو يُعتقد أنه قد سينفذ عمل ما. وفي المقابل، فإن هذا التعامل المبني على الشك والتعالي، ولّد فقدان ثقة لدى أقلية الوطن الأصلانية بالأجهزة الإسرائيلية وغدت ترى فيها رمزًا للقمع والظلم والعنصرية.

وتشير الدراسة إلى تصاعد هذه السياسة بشكل خاص بعد اندلاع هبّة القدس والأقصى عام 2000، إذ منحت إسرائيل أجهزتها الأمنية كافة الصلاحيات لاستخدام العنف ضد المواطنين الفلسطينيين، وأدرجت “الإعدامات الميدانية” ضمن إطار نهجها وممارساتها العنصرية ضدهم، كوسيلة عقابية وانتقامية لموقفهم المتفاعل والمناصر لقضية القدس والمسجد الأقصى.

وقد جرى استرخاص أرواح العرب الفلسطينيين، كما يقول غزاوي، بفعل أجواء العنصرية السائدة تجاه أقلية الوطن الأصلانية، وبفعل عدم تطبيق القانون بشكل متساوٍ في دولة تدّعي أنها واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وبفعل الحماية والدعم الكاملين من جهات إسرائيلية رسمية، المتمثلة بالنيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة والجهاز القضائي، التي عملت على إغلاق معظم ملفات المتورطين بالقتل بتفاصيله المختلفة لإفلاتهم من العقاب على جرائمهم، إذ بات المواطن العربي الفلسطيني يشعر بتهديد دائم على حياته بسبب قوميته.

وبهذا الصدد، حاور “عرب 48” الباحث ساهر غزاوي من أجل إلقاء مزيد من الضوء على موضوع الدراسة.

“عرب 48”: نحن نعرف بأن إسرائيل بارعة في ما أسميته “الإعدام الميداني” المصنف وفق القانون الدولي قتل خارج القانون، فهي تقوم بذلك ضد المقاومين والناشطين في غزة والضفة والشتات، وتنفذ هذه السياسة، كما يبدو، ضد الفلسطينيين في الـ48 على خلفية سياسية أو قومية كما تسميها عبر استهداف متظاهرين ومقاومين بالقتل عوضا عن اعتقالهم، كما حدث خلال هبة القدس والأقصى ومواجهات أخرى وعند تنفيذ عمليات مقاومة من قبل مواطنين من الـ48، وخلال نشاطها المدني الجاري المرتبط بالعرب مثل اقتحام بيوت ومطاردات وغيرها؟

الباحث ساهر غزاوي

غزاوي: الدراسة صنفت الضحايا وفقا للخلفية التي قتلوا بسببها فتبين أن عدد الذين قتلوا على خلفية المشاركة في مظاهرات أو أعمال احتجاجية خلال الفترة التي عالجناها بلغ 16 شهيدا بينهم 12 خلال هبة القدس والأقصى عام 2000، بينما بلغ عدد الذين سقطوا خلال أعمال مقاومة 10 شهداء بينهم شهداء عملية الأقصى الثلاثة من أم الفحم.

أي أن عدد الذين تم إعدامهم ميدانيا على خلفية سياسية يبلغ في هذه الحالة 26 شهيدا، هذا لا يشمل على سبيل المثال الشهيد يعقوب أبو القيعان وربما غيره ممن تم تصنيفهم في إطار عمليات اقتحام قرى وبيوت، ولكن بالمحصلة هناك أكثر من 30% تم قتلهم على خلفية سياسية.

في خانة مداهمة البيت أو القرية جرى قتل 15 شهيدا غالبيتهم ليسوا من المستهدفين الذين جرى اقتحام البيت أو القرية بهدف اعتقالهم، بل من الأقارب أو الجيران جرى إطلاق النار عليهم وقتلهم بعد تطور عراك مع قوة الشرطة المقتحمة، وهو دليل آخر على مدى استسهال قتل المواطن العربي حتى لو كان لا ذنب له من قبل عناصر الشرطة.

ومن اللافت أيضا أن 23 شخصا أي ما يقارب الـ30% من الذين تم قتلهم، جرى استهدافهم برصاص الشرطة عند “الحواجز الطيارة” بدعوى أنهم لم يتوقفوا على الحاجز، وهذا دليل آخر على سهولة الضغط على الزناد عندما يتعلق الأمر بالعرب.

“عرب 48”: يلاحظ أن غالبية الذين قتلوا من قبل الشرطة وغيرها من أجهزة الأمن الإسرائيلية هم من الشباب بينهم من لم يتجاوز بعد سن البلوغ؟

غزاوي: صحيح، فهناك 20% منهم لم يتجاوزوا سن الـ20 سنة و63% لم يتجاوزوا سن الـ30 عاما، أي أن نسبة الذين لم يتجاوزوا الـ30 عاما تبلغ 83% من عدد الذين قتلوا ويبلغ عددهم 65 شابا.

من مكان إعدام الشهيد أبو القيعان (Gettyimages)

ليس غريبا أن تكون هذه الفئة العمرية هي الأكثر استهدافا، لما تشكله بنظر الشرطة الإسرائيلية من خطر محتمل أكثر من غيرها من الفئات، فهي من ناحية الأكثر تصادما مع “النظام” و”القانون” بحكم الجيل الذي يميل إلى كسر القواعد والأنظمة، ومن ناحية ثانية فإن خسارتهم تكون أكثر إيلاما للأهل والمجتمع.

وعوضا عن أن تتعامل الشرطة الإسرائيلية مع هذه الفئة بهذه الذهنية وهي تعرف أن قسما من هؤلاء الشباب قاصرين لا ينطبق عليهم حتى القانون الجنائي نفسه المتعلق بالسجن فهي تحكم عليهم بالموت بعد أن تنصب نفسها القاضي والجلاد في ذات الوقت.

“عرب 48”: ما يعزز هذا التوجه العدائي ويشرعن سياسة الإعدام الميداني تلك هو عدم معاقبة القتلة من عناصر الشرطة، فكما أشرت في الدراسة أن العديد من قضايا القتل لم يتم فيها فتح ملفات جنائية ضد عناصر الشرطة وفي الحالات التي تم فيها فتح مثل هذه الملفات من قبل وحدة التحقيق مع عناصر الشرطة “ماحاش” جرى إغلاقها دون تقديم القتلة للمحاكمة؟

غزاوي: حتى فترة وجيزة كانت وحدة التحقيق مع رجال الشرطة “ماحاش” بمثابة وحدة من الوحدات التابعة للشرطة، بمعنى أن الشرطة كانت تحقق مع نفسها، ومع تكاثر الانتقادات لهذه الحالة تم إخراج هذه الوحدة من دائرة الشرطة واتباعها للنيابة العامة التابعة لوزارة القضاء.

لكن وإن بدت “ماحاش” هي العنوان فإن مشكلة المواطنين الفلسطينيين ليست معها فقط، بل مع جميع أجهزة إنفاذ القانون بما فيها الجهاز القضائي، فلطالما تمت الإشادة بتصرف الشرطة الإسرائيلية بسهولة الضغط على الزناد وقتل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، من قبل مسؤولين رسميين في الحكومة.

من مكان قتل الشهيد عنبتاوي في حيفا (أرشيف “عرب 48”)

فقد عبّر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق، أمير أوحانا، عن دعمه للشرطي قاتل الشاب منير عنبتاوي من مدينة حيفا في جريمة وقعت بمحاذاة منزل العائلة في حيّ وادي النسناس في آذار/ مارس 2021، كما طالب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق، غلعاد إردان، من المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، والمدعي العام شاي نيتسان، بإعادة النظر بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية، حول مقاضاة الشرطي الذي قتل خير الدين حمدان من كفركنا، مدعيًا أن لقرار المحكمة العليا يمكن أن يكون آثارا سلبية بعيدة المدى، مما قد يضعف قدرة ضباط الشرطة على لعب دورهم في حماية السلامة العامة، على حد زعمه.

“عرب 48”: في قضية قتل الشهيد يعقوب أبو القيعان كان موقف النيابة العامة والمدعي العام على يمين موقف “ماحاش”، حيث طالبوا بعدم فتح تحقيق في القضية، بل وقاموا كما نشرت وسائل الإعلام بإخفاء موقف رئيس “ماحاش” الذي طالب بفتح مثل هذا التحقيق، هذا ناهيك عن أن المدعي العام هو من صادق على إغلاق ملفات شهداء هبة القدس والأقصى، ما يؤكد أن جميع أجهزة إنفاذ القانون متورطة في شرعنة الإعدامات الميدانية ضد العرب؟

غزاوي: عام 2008 تبنّى المستشار القضائي للحكومة توصيات “ماحاش” وأغلق ملفات انتفاضة الأقصى ولم تفتح ملفات أخرى مطلقا، وهذا يكشف أن هناك خلل لدى منظومة إنفاذ القانون في كل ما يتعلق بمحاسبة عناصر أجهزة الأمن المشتبه بارتكابهم مخالفات ضد فلسطينيين في إسرائيل وأن الكثير من الملفات أغلقت بسبب فشل التحقيق.

كذلك يتضح من معطيات عام 2022 أن 5 حالات قتل لا تزال قيد البحث ولا يزال مصيرها مجهولا حتى إعداد الدراسة، و7 حالات لم تفتح “ماحاش” ملفات للتحقيق في حيثيات قتلهم على يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بينما نجد هناك أن ملفًا واحدًا فقط تم تحويله إلى المسار المدني ودفع تعويضات مالية لعائلة الضحية بدل قيام “ماحاش” بواجبها بوقف العنف الشرطوي ومعاقبة الضالعين في قتل الفلسطينيين من مناطق الـ48.

وبالمحصلة يظهر أن هناك خطا رابطا بين سلوك الشرطة وانعدام المساءلة المُمنهج في هذا السياق، وبين بنية النظام في إسرائيل الذي يرسخ الفوقية والسيطرة الإثنية لليهود من خلال مبنى النظام الدستوري والتشريعي والإداري والجغرافي.


ساهر غزاوي: باحث في القضايا السياسية، حاصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة حيفا ويعمل حاليا على كتابة رسالة الماجستير من جامعة “بار إيلان” بعنوان “تأثير النشاط السياسي والاجتماعي للحركة الإسلامية على السكان البدو في النقب”، وهو أيضًا مسؤول الملف الإعلامي والعلاقات العامة في مؤسسة “ميزان” لحقوق الإنسان في الناصرة ومُعد تقارير ونشرات وإصدارات توثيقية وبحثية حول الملفات والقضايا القانونية وحقوق الإنسان.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *