Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

لم تعد توجد أي مساحة للنقد

ينبغي أن تكون الجامعات ملاذًا نتمتع فيه بالحرية في التعرف على وجهات النظر هذه، وحيث يتمتع الطلاب بالحرية في التعبير عن وجهات نظرهم المعارضة، وتُشجع المناقشات حول جدارة وجهات نظرهم…

لم تعد توجد أي مساحة للنقد

مظاهرة مؤيّدة لفلسطين في جامعة كاليفورنيا (Getty)

أثارت الهجمات التي شنتها حماس يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول نقاشًا عامًا حول طبيعة التضامن وسُبل دعم النضال لتحرير فلسطين. تقدم جوديث بتلر هنا ردًا موجزًا على انتقاد جودي دين الأخير لموقفها من التضامن مع فلسطين إلى جانب إعادة نشر مقالتها «لم تعد توجد أي مساحةٍ للنقد» (There Can Be No Critique).

من المؤكد أن جدال جودي دِين (Jodi Dean) المضلل بشدة ضد ما تعتبره وجهات نظري وتحالفاتي كان سيتحسن لو أنها أخذت في الاعتبار تاريخ منشوراتي حول فلسطين ومعاداة اليهود للصهيونية، ومنذ السابع من أكتوبر، عروضي التقديمية حول الإبادة الجماعية في موقع الديمقراطية الآن (متوفرة هنا وهنا) أو مقالتي أدناه، المنشورة أصلًا في The Boston Review، والتي أوضحت وراجعت المواقف التي تنسبها إليّ دِين في مقالتها. ومع ذلك، فإنني أضم صوتي إلى صوت أولئك الذين يرون أنه من الظلم إعفاءها من واجباتها التعليمية في كليتها، حيث لها الحق في التعبير عن آرائها، مهما كانت حدة الاختلاف معها، دون عقوبة من هذا النوع من صاحب عملها. لقد عبّرت عن مشاعرها في المجال العام، لكنها لم تهدد أحدًا. وينبغي للحقوق الأساسية لحرية التعبير أن تحمي مثل هذه التصريحات.


في أعقاب أعمال العنف الإبادية التي شهدها قطاع غزَّة وإسكات النقاشات حوله في حرم الجامعات، لم يعد من المهم الآن أنني، ومعي آخرون، لم يعجبنا كل جوانب الحجج التي ساقتها بعض المجموعات الطلابية في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول. عندما قدمت نقدي[1] في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس (London Review of Books) للغة التي استخدمتها لجنة التضامن مع فلسطين بجامعة هارفارد، قمت بذلك بروح المحادثة. لم أتوقع أن تُلغى وجهة نظرهم تمامًا، ولم أتوقّع مدى المضايقات والتشهير الذي سيعانون منه، إلا أنه ما زال لدينا الوقت للدفاع عن حقوق هؤلاء الطلاب، وجميع الطلاب، في التعبير عن وجهة نظرهم دون خوف من الانتقام أو الأذى.

لا تقل أزمة الحرية الأكاديمية التي نواجهها حاليًا حدة عن أي أزمة أخرى منذ سنوات مكارثي في الولايات المتحدة. لقد استُغلت تهمة اللاسامية كأداة لقمع حرية التعبير بطرق ينبغي أن تكون مثيرة للقلق الشديد لأي شخص يهتم بحرية التعبير في المجال العام وبالحرية الأكاديمية في حرم الجامعات. فعندما تعتبر الدعوات لوقف إطلاق النار معادية للسامية، فإن أولئك الذين يدعمون حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة هم فقط من يُبرأون من التهمة. إن الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية لا يمكن إلا أن يخدم أغراض الرقابة الشديدة، لأنه يمنع الذين يعارضون العنف الإسرائيلي المستمر، وقتل ما يقرب من 18 ألف من سكان غزَّة حتى الآن[2]، من التعبير عن غضبهم الأخلاقي والسياسي، ومن الدفاع عن المبادئ الأساسية لحرية التعبير والعدالة السياسية. وإذا تجرأنا على وصف عملية القتل بأنها إبادية، أو أنها تحمل نية الإبادة الجماعية، أو أنها إبادة جماعية في حد ذاتها، كما أصر مؤخرًا أكثر من 800 من القانونيين، فإننا متهمون بمعاداة السامية. ولكن ماذا يعني أن تتحدث ضد الإبادة الجماعية ثم تُفرض عليك الرقابة والحظر؟ هذا يعني أن الكلام الذي يدافع عن الظلم هو وحده الذي يمكن الدفاع عنه.

فعندما يؤكد الجنرالات الإسرائيليون، بدعم من الرئيس هرتزوغ، أنه لا يوجد مدنيون في قطاع غزَّة (مستحضرين عبارة غولدا مائير سيئة السمعة بأنه «لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني»)، فإنهم يمهدون الطريق لتبرئة ساحتهم بالكامل من إبادة المدنيين في قطاع غزَّة، فحين لا يوجد مدنيون، فلا يمكن، بحكم التعريف، أن توجد وفيات بين المدنيين، ولا يمكن أن توصف جرائهم قتلهم بأنها جرائم حرب، وتصير كل عمليات القتل مبررة. إن علامة النهي «لا» في جملة «لا لقتل المدنيين» تتحدث وتؤكد منطق الإبادة نفسه. لا يوجد قتل للمدنيين، ولا يمكن معارضة الحرب. إنه نزع طابع الحقيقة عن فعل القتل يساهم في فعل الرقابة على أي خطاب من شأنه أن يسميها إبادة جماعية أو حتى جريمة حرب، أو يدعو إلى إنهائها. ومن المنطقي أن تتشكل مجموعات طلابية، وتنضم إلى مسيرات صغيرة وحاشدة على حد سواء للاحتجاج على هذا المنطق البغيض، وعلى المذبحة المتواصلة التي يدعمها. إن الذين يعارضون احتجاجاتهم باعتبارها «معاداة للسامية» يرخصون ويضخمون ويستخدمون تهمة يجب أن تقتصر على الأمثلة الواضحة لمعاداة السامية التي تظهر في الخطاب المناهض للصهيونية. يجب تسمية هؤلاء ومعارضتهم؛ لأنه يجب معارضة كل أشكال العنصرية. وكذلك الأمر بالنسبة لمعاداة السامية القومية المسيحية التي تدعم الصهيونية، التي يتقبلها نتنياهو. لكن في هذه اللحظة على وجه التحديد، نحن مدعوون إلى التساؤل كيف أن الرقابة والتشهير والتنمر لا يقتصرون على قمع أو حظر الإدانة العلنية للجرائم ضد الإنسانية فحسب، بل إنها تخدم أيضًا لتبرير القتل.

ومن عجيب المفارقات أن أولئك الذين يعارضون الإبادة الجماعية يُتهمون أحيانًا بنية الإبادة الجماعية، كما رأينا في الاستجواب العلني الذي أجرته النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك في السابع من ديسمبر/كانون الأول ضد رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماغيل (Liz Magill) ورئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي (Claudine Gay). حشد استجوابها عددًا من الافتراضات المشكوك فيها، ضمن الأسئلة المطروحة، ومنها أن بعض العبارات التي نادى بها الطلاب تعبر عن نية الإبادة الجماعية، بدلًا من النظر في مكانها وإطارها ضمن حركة التحرر. الانتفاضة باللغة العربية، تعني «أن تنتفض» أو «أن ينفض الأمر نفسه»، يُنظر إليها على أنها حركة ترفض البقاء خاضعة في مواجهة العنف الاستعماري، وهي محاولة للتخلص من أغلال الحكم الاستعماري. وهي أيضا دعوة للوحدة الفلسطينية. هل يعني ذلك بالضرورة عنف الإبادة الجماعية؟ لا. قد يتخيل البعض الآن أن المستَعمَر، بمجرد تحرره من أغلاله، سوف ينقلب على المستعمِر بنية انتقامية وبالرغبة في الإبادة الجماعية. لكن التخيل ليس تنبؤا. والواقع أن هذا لن يحدث إذا نجحت عملية إنهاء الاستعمار بشكل جذري. ومع ذلك، إذا كان غضب الانتفاضة موجهًا ضد الحكم الاستعماري، فمن المرجح أن يؤدي إنهاء الاستعمار إلى عاطفة أخرى: الفرح التحرري، والشعور بالحرية، والتحرر من القيود التي ضُيقَّت على مدار الخمسة والسبعين عامًا من فرضها. ولا يحتاج المرء إلا أن يتساءل عما إذا كان الفلسطينيون يفضلون أن يُقتلوا على يد جهات غير يهودية ليروا أنهم فعلًا يعارضون عنف الدولة [لا يهوديتها].

(Getty)

وعندما سُئلت كلودين غاي عما إذا كانت جامعة هارفارد ستدين الدعوات إلى الإبادة الجماعية اليهودية، ترددت غاي، وهذا حقها، لأن السؤال افترض أن أي شخص يدعو إلى «الانتفاضة» أو يهتف «من النهر إلى البحر» كان يعبر عن نية الإبادة الجماعية، أو يشكل تهديدًا ملموسًا لمحو الحياة الإسرائيلية اليهودية، أو الحياة اليهودية بشكل عامٍ. وكان ينبغي للاستجواب أن يتوقف عند هذا الحد؛ لأنها كشف عن افتراضات وادعاءات تُجرِّم. ولكن في لحظة التساؤل، طُوبقت نداءات «الانتفاضة» و«من النهر للبحر»، دون تفكير، مع الدعوة إلى الإبادة الجماعية ضد اليهود، وفُهمت دعوات التحرير على أنها تهديدات لأعمال عنف معادية للسامية. عندما لا تتاح المساحة للتفكير والشك في الافتراضات المشكوك، تُنصب الفخاخ، والنتيجة النهائية هي أنه لا يمكن انتقاد آلة القتل الإسرائيلية، ولا يمكن التلفظ بأي خطابٍ مُعارض دون تفسيره على الفور بأنه دعوة للعنف، أو بأنه ذاته تهديد لفظيٍ بالعنف. من حق أي رئيسة أو رئيسة أن يترددوا قبل الإجابة على مثل هذا السؤال، لأن المحقق قدم مجموعة من المقدمات الكاذبة والافتراضات المخادعة في الشكل الذي اتخذه هذا السؤال. في أعقاب استقالة ماغيل، يتعين على الرئيسة غاي اتخاذ قرار أخلاقي: الوقوف في وجه أشكال محاكم التفتيش التي تخلط بين مقاومة العنف الإسرائيلي ونية الإبادة الجماعية، أو الدفاع عن حقوق الاحتجاج والمعارضة، أو أن تصبح أداة للقمع والرقابة والإنكار. اعتذارها المعلن لا يبشر بالخير. وأي شيء ستقرره في النهاية سيشكل سابقة مهمة لكل من الحرية الأكاديمية وحرية التعبير.

نتساءل في الجامعات عن هذا السؤال بناءً على حيثياته، وإذا فقدنا تلك القدرة النقدية من فصولنا الدراسية، ومن الحياة العامة، فقد فشلنا في مهمتنا، وخذلنا أنفسنا وطلابنا. الرقابة قاسية ولها عواقب وخيمة، لأننا نتعرض للإلغاء، ونفقد مناصبنا وتشوه سمعتنا في وسائل الإعلام. ويستجيب كثيرون ببساطة، من دون اقتناع، لطلب الإشارة إلى إدانتهم لحماس بطرق معتادة بدافع الخوف. لقد اختفى التفكير النقدي، وتحولت المطالبة بإظهار الإدانة الأخلاقية إلى شكل من أشكال الإرهاب الأخلاقي.

قوِّض موف غاي بداية عند سماحها بالتشهير والكشف عن هوية الطلاب، وفشلها في دعم حقوقهم الأساسية في التجمع والتعبير. وبالطبع، تعرضت وستتعرض الآن للانتقاد من الصهاينة لعدم تدخلها لإغلاق لجنة التضامن مع فلسطين في جامعة هارفارد بسرعة أكبر وأكثر قسوة. وقد ساعدت الجهود المبذولة لقمع رسالة الطلاب في إطلاق موجة الرقابة على الأحرام الجامعية التي نراها الآن، وهي موجة تعمل بشكل رسمي وغير رسمي. لا تسمح مثل هذه الرقابة فقط للمذبحة ضد الفلسطينيين بالاستمرار، بل هي بمثابة مرآة ومبرر لها. فالدولة الإسرائيلية تغلق الحياة الفلسطينية، كما تُغلق الرقابة على تصريحات التضامن مع النضال الفلسطيني (التي يُنظر إليها على أنها أكبر وأطول من حركة حماس). أحدهما يتطلب الآخر، لأن الحرب ضد المدنيين لا يمكن كسبها إلا إذا (أ) اقتنع المجتمع الدولي بأن المدنيين إما دروع بشرية أو جميعهم إرهابيون و (ب) قمع النقد العلني والعام لهذه الافتراضات بين تضليلات أخرى. بعبارة أخرى، يتطلب القتل مع الإفلات من العقاب بهذا الحجم حملة رقابة تغلق حرية التعبير التي من شأنها أن تسمي هذا القتل وتعارضه، وتروي تاريخه، والعنف الهيكلي للدولة نفسها.

ليس طلاب جامعة هارفارد فقط هم الذين يجدون خطابهم مشوهًا في الخطاب الحكومي العام، وأن حياتهم محاصرة بالهجمات الإعلامية، وحملات التشهير، والمضايقات. إن كل الخطابات الطلابية التي تسعى إلى مواجهة الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، أو في الواقع، كل الجهود الرامية إلى تسمية القتل الإسرائيلي باعتباره إبادة جماعية، تصير أهدافًا. ويتعرض الطلاب للمضايقة، وتُلغى عروض عملهم، وتتوقف طموحاتهم المهنية أو تُدمر، وتؤدي مقاساتهم لهذه الاتهامات المروعة إلى أشكال من الضرر النفسي الذي لا يمكن لأحد سواهم أن يرويها حقًا (يومًا ما).

لو كانت هذه اللحظة مشحونة بالخوف والكراهية بدرجة أقل، لكان بإمكاننا أن نتوقف ونطرح بعض الأسئلة المهمة. هل حماس حركة إرهابية أم حركة مقاومة مسلحة؟ فعندما يدافع الطلاب عن فلسطين، هل يدعون إلى إنهاء الاستعمار، وإنهاء عنف الدولة الإسرائيلية، أم أنهم يهتفون لموت الإسرائيليين؟ فهل نسألهم؟ هل يجب علينا أن نهتم بمعرفة ذلك؟ أم ينبغي علينا، كما نفعل الآن، أن نتحرك بسرعة إلى استنتاج مفاده أن تحرير فلسطين يؤدي إلى موت الإسرائيليين، في حين أنه قد يؤدي في الواقع إلى إمكانية جديدة للتعايش، سواء في حل الدولة الواحدة أو الدولتين أو شكل آخر من أشكال الحكم؟ تظل تحالفاتي السياسية مع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تتوافق أدواتها وأهدافها اللاعنفية مع قيمي الخاصة. ولكن ربما من المهم أن نسأل أولئك الذين يدافعون عن حماس باعتبارها حركة مقاومة مسلحة، كيف يضعون هذه المقاومة المسلحة ضمن تاريخ من الكفاح المسلح، وما هي الشروط، إن وجدت، التي يجب استيفاؤها لإلقاء السلاح. إحدى الإجابات الواضحة هي أنه لا بد أن ينتهي عنف الدولة الإسرائيلية. إذا كان عنف الدولة الإسرائيلية يعني وجود المقاومة المسلحة، فإن توقف هذا العنف من شأنه أن يؤدي بلا شك إلى ظهور تكوينٍ سياسيٍ آخر.

الشرطة تعتدي على المعتصمين في جامعة برلين الحرّة (Getty)

في مقالتي على موقع لندن ريڤيو أوف بوكس (London Review of Books) انتقدتُ لجنة التضامن مع فلسطين بجامعة هارفارد لادعائها أن «نظام الفصل العنصري هو المسؤول الوحيد» عن الهجمات القاتلة التي شنتها حماس على أهداف إسرائيلية. وكنت أعتقد أنه «من الخطأ توزيع المسؤولية بهذه الطريقة، ولا شيء ينبغي أن يعفي حماس من المسؤولية عن عمليات القتل البشعة التي ارتكبتها». لا يُعقل، في اعتقادي، القول بأن عنف حماس هو مجرد عنف إسرائيلي يُعاد ضدهم، لأن لحماس خطتها الخاصة وقد اختارت بوعي النضال المسلح. الادعاء بأن عنف حماس ليس إلا مجرد رد فعل للعنف الإسرائيلي يقلل من فاعلية الفلسطينيين الذين يدعمون النضال المسلح. إنهم ليسوا أدوات للعنف الإسرائيلي العكسي، بل يتصرفون باسمهم ولأسبابهم الخاصة، أو هذا ما سأفترضه. ومع ذلك، من الصحيح ما يقوله الطلاب بأنه لن يوجد داعٍ للكفاح المسلح لولا عنف الدولة المستمر غير المحتمل الذي تمارسه قوة استعمارية ضد المحاصرين والمحرومين.

لكن هذه الأفكار لا يمكن التعبير عنها، ناهيك عن مناقشته، في ظل الظروف التاريخية الحالية. تُدَّمر حياة الفلسطينيين في غزَّة، وكل فلسطيني سوف يعترض على هذا الدمار. إذا اعترضوا، ونحن نعترض معهم، فهذا لا يجعلنا من أنصار حماس. بل يجعلنا منتقدين صريحين للإبادة الجماعية.

اسمحوا لي بعد ذلك أن أعتذر وأوضح: للطلاب كل الحق في معارضة الطريقة التي تم بها تأطير «النزاع» في الصحافة، والطريقة التي أصبحت بها أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول وأعمال حماس تستخدم بشكل مضلل كمطقة بداية لأي نقاشٍ عامٍ، ما يمحو 75 عامًا من الاحتلال والاعتقال والسلب وسرقة الأراضي التي سبقتها. ليس علينا أن ندعم كل ما ينادون به لنستنكر دون قيد أو شرط الطريقة أضرَّت بهم الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة. لهم الحق في التعبير عن الرأي، والتحدث علنًا ضد الظلم، ورفع أصواتهم، وأن يُناقشواُ مناقشة عادلة، في المجال العام. إن الرقابة على أصواتهم غير معقولة من جميع النواحي، لأنها تتطلب الصمت في مواجهة هجوم مروع على حياة الفلسطينيين، وترفض اعتبار المذبحة التي تشنها إسرائيل الآن جزءا من حملة أطول لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية في دياره وأرضه وبيته ومستقبل تقرير المصير السياسي الخال من العنف.

الرقابة دائما أداة الضعفاء العاجزين. وبالرغم من أنها نفوذها، فإنها تكشفُ أن من يستخدمونها قد فقدوا السيطرة بالفعل. تُستخدم الرقابة من أولئك الذين يسعون إلى احتواء أو إلغاء وجهة نظر لا يريدون لها أن تُسمع، وذلك لأنها تُعطي قوة عظيمة لوجهة النظر هذه، ربما لأنهم يعلمونَ أن المعارضة الصريحة للظلم قد تجتذب المؤيدين الذين ما يزال لديهم الشجاعة لرؤية وتسمية ومعارضة الفظائع الحاصلة. قد تؤدي الرقابة إلى زرع الخوف من الرقابة في نفوس أولئك الذين يشاهدون عملها باعتبارها الجناح الثقافي للحملة العسكرية ضد فلسطين. ولكن دائمًا ما يوجد أولئك الذين يرفضون أن يتم احتوائهم أو إسكاتهم من الرقيب، وأولئك الذين أيقظت الرقابة حساسيتهم ويعارضون خنق الكلام والنقاش. دعونا ننضم إلى أولئك الذين يعتقدون أن طلاب جامعة هارفارد كانوا على حق في التحدث بحرية، وعلى حق في معارضة الظلم، وعلى حق في لفت الانتباه إلى التاريخ الأطول من العنف الذي بلغ ذروته في هذه اللحظة الرهيبة.

ينبغي أن تكون الجامعات ملاذًا نتمتع فيه بالحرية في التعرف على وجهات النظر هذه، وحيث يتمتع الطلاب بالحرية في التعبير عن وجهات نظرهم المعارضة، وتُشجع المناقشات حول جدارة وجهات نظرهم. توجد الكثير من النقاشات التي يجب إجراؤها، بما في ذلك السؤال حول كيف يمكن لأولئك الملتزمين باللاعنف منا أن يؤدّوا دورًا فعَّالًا في الحفاظ على حقوق التعبير وانتقاد الأكاذيب. الرقابة آفة من آفات الاستبداد، ومع تزايد الهجمات على الديمقراطية، تقع على عاتق مديري الجامعات مسؤولية حماية حقوق حرية التعبير، خاصة عندما تكون الأجواء متوترة، واللغة مشحونة، وحين تحل اللغة العدوانية والتهديدات محل التفكير والنقاش. حرمان المرء من حقه في معارضة الظلم هو ظلم آخر. هل يمكن أن نجري نقاشًا حول العدالة؟ قد تتاح بذلك للجامعات الفرصة لتجديد سمعتها والتزامها بالنقاش المفتوح. هل يمكننا الاستماع لطلابنا؟ قد تتاح للجامعة بعد ذلك فرصة لتصبح مكانًا للتعلم ولتقدَّم لأعضاء هيئة التدريس درسًا جديدًا في التواضع.[3]


إحالات:

[1] تُرجمت المقالة للعربية تحت عنوان «بوصلة الحِداد» ونُشرت في عددٍ من المواقع والمجلات العربية (المُترجم)

[2] نُشرت المقالة لأول مرة في موقع بوسطن ريفيو بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، وقد وصل عدد الشهداء في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة إلى 34,904 شهداء حتى تاريخ 9 مايو/أيَّار 2024، كما ارتفع عدد الجرحى إلى 78,514 جريحًا (المُترجم).

[3] نُشرت هذه المقالة بتاريخ 16 أبريل/نيسان 2024، أي قبل انتشار حملات التخييم في الأحرام الجامعية على طرفي الأطلنطي، وقبل حملات قمعها العنفية من الشرطة والتي جاءت بعد استدعاء إدارات الجامعات لشرطة مكافحة الشغب في التعامل مع طلابهم. جاء الاستدعاء الأول للشرطة من إدارة جامعة كولومبيا بتاريخ 17 أبريل/نيسان، وهو ما أشعل موجات تضامن بين الطلاب، لتصل المظاهرات الطلابية التخييمية المؤيدة لفلسطين حتى تاريخ 6 مايو إلى حوالي 140 حرمًا جامعيًا أمريكيًا (المُترجم).


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *