Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

نضال العزة: تجميد تمويل الأونروا قطع لشريان الحياة وتصفية لقضية اللاجئين

في أعقاب نكبة عام 1948 وما نشأ عنها من تحول غالبية كبيرة من الفلسطينيين إلى لاجئين، تم تأسيس وكالة “أونروا”، بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين، وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من أيار/ مايو 1950.

وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة على تجديد ولاية الأونروا وبشكل متكرر على مدى 75 عاما.

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”

وتقدم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا)، كما تسمي نفسها وتعرف مهمتها، المساعدة والحماية وكسب التأييد للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل لمعاناتهم، بينما يتم تمويل الوكالة بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

ولخص مدير الأونروا في عام 1959، الأميركي جون ديفيس، رؤيته لدور الوكالة بأنه بمثابة “تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشكلة السياسية للاجئين الفلسطينيين، وتمثل الوكالة شريان حياة لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني عبر تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية مقابل التغاضي عن حقوقهم السياسية”.

ووفق التعريف العملياتي للأونروا، فإن لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران/ يونيو 1946 وأيار/ مايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948 – “نكبة فلسطين”.

كما أن ذرية أولئك اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة. وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تعمل على الاستجابة لاحتياجات ما يقارب من 750 ألف لاجئ فلسطيني. واليوم، فإن ما يقارب من 5,9 مليون لاجئ فلسطيني يستحقون التمتع بخدمات الأونروا.

ويعيش ثلث اللاجئون الفلسطينيون المسجلون لدى أونروا، أو ما يزيد عن 1,4 مليون لاجئ، في 58 مخيم معترف به للاجئين في كل من الأردن ولبنان وسورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.


وفي أعقاب حرب حزيران/ يونيو 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، تم تأسيس عشرة مخيمات وذلك بهدف إيواء موجة جديدة من النازحين من اللاجئين وغير اللاجئين.

وترى إسرائيل أن الأونروا تساهم في إدامة قضية اللاجئين، بل وتضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من 750 ألف شخص في عام 1948 إلى 6 ملايين شخص حاليا نظرا لمنح أبناء وأحفاد اللاجئين في عام 1948 صفة اللاجئ.

وتقوم الرؤية الإسرائيلية على تفكيك الأونروا ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول المضيفة للاجئين ونقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها وجميع ما يخصها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتكليفها بالعمل على نقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة والتجنس، وبذلك يتم إنهاء قضية اللاجئين.

ولتمرير هذا المخطط لا تنفك إسرائيل في التحريض ضد الأونروا وتوجيه العديد من الاتهامات لها، أبرزها دعم المنظمات الفلسطينية التي تعتبرها منظمات إرهابية، وهو اتهام تكرر خلال الانتفاضة الأولى والثانية، وعاد مؤخرا عبر الزعم بمشاركة 12 موظفا من قطاع غزة في أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو ما أدى إلى دفع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لتجميد تمويلها (13 دولة على الأقل).

حول هذا الموضوع أجرينا هذا الحوار مع مدير مركز “بديل الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين”، نضال العزة.

عرب 48“: معلوم أن استهداف الأونروا كوسيلة لتصفية قضية اللاجئين ليس جديدا، فقد بذلت إسرائيل في العقود الأخيرة بشكل خاص، كل جهد مستطاع في سبيل ذلك، ومع ذلك فإن توقيت هذا الاستهداف يثير العديد من التساؤلات…

نضال العزة

العزة: عملية استهداف الأونروا من قبل إسرائيل كحملة منظمة بدأت أساسا بعد توقيع اتفاق أوسلو، حيث اعتبرت إسرائيل أن عملية السلام تقتضي إنهاء قضية اللاجئين، فبدأت تعمل مع حلفائها في العالم على تحويل الأموال التي تذهب إلى “أونروا”، من أجل بناء السلطة الفلسطينية الناشئة حديثا بموجب اتفاق أوسلو، تحت غطاء بناء مؤسسات الدولة.

وتحدث المانحون بصراحة أنه لا يصح تمويل الشعب الفلسطيني لجهتين مختلفتين، وبدأ يتبلور فعلا مشروع للتخلص من الأونروا كوسيلة لتصفية قضية اللاجئين، وطرحت مشاريع جدية من قبل كندا وأميركا والاتحاد الأوروبي، الممولين الرئيسيين للوكالة في التسعينيات.

وبعد فشل أوسلو (المقصود فشل مفاوضات الحل النهائي) وانطلاق الانتفاضة الثانية، عادت الحملة واشتدت بتوجيه من إسرائيل، وفي أحد المؤتمرات الإستراتيجية الإسرائيلية المعروف بمؤتمر هرتسليا، صدرت ورقة تحدثت بوضوح عن ضرورة التخلص من الأونروا باعتبار أنها الوكالة الدولية التي تديم قضية اللاجئين وحلمهم بالعودة.

هذه الحملة تركزت بعد ذلك وأخذت شكل شيطنة الأونروا بطرق مختلفة، حيث برز ضمنها اتهامات كثيرة بالفساد لموظفين بمستويات عليا في الوكالة، ارتبط ذلك أيضا بالترويج لمزاعم بعدم كفاءة الوكالة في إدارة موضوع اللاجئين وإدارة المخيمات وجعل اللاجئين يعتمدون على أنفسهم، وكلها كانت تصب في محاولات الحد من التعامل مع الأونروا، والدخول إلى الدول المضيفة للاجئين والدول المانحة.

إلا أن أنجح الحملات بالنسبة لإسرائيل وأكثرها تأثيرا في الغرب هي تلفيق تهمة الإرهاب بالأونروا، وكان يكفي أن يثبت ضد أي شخص يعمل في الأونروا، الانتماء لإحدى الفصائل، بغض النظر عن هويتها، كأن تتم إدانته في محكمة عسكرية إسرائيلية بهذه التهمة، حتى يتم توظيف هذه القضية واستغلالها دوليا من أجل إلصاق تهمة التعاون مع المنظمات الإرهابية بالأونروا كلها.

عرب 48“: نعرف أن الحملة تصاعدت في عهد ترامب، حيث وضعت خطط للتخلص من الأونروا ومن قضية اللاجئين وجرى تقليص وحتى قطع التمويل الأميركي عن الوكالة فعليا؟

العزة: صحيح، وقد تولى الملف في حينه جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الذي كان لديه برنامج يقضي بإيقاف المسؤولية الدولية عن الأونروا وعن قضية اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من خلال نقل المسؤوليات إلى الدول المضيفة.

وقد جرى في حينه توظيف الحملة على المفوض السابق، بيير كرينبول، من قبل إسرائيل، لإظهار أن هذه الوكالة فاسدة وليس لديها كفاءة، وانساقت وراءها إدارة ترامب وجرى تجميد أموال، كما أن دولا غربية أخرى انضمت، من بينها سويسرا، التي كرر وزير خارجيتها في حينه مزاعم إسرائيل بضرورة إنهاء عمل الوكالة لأنها تديم قضية اللاجئين.

إلا أن مشروع كوشنر اليهودي الأصل، فشل بعد أن جوبه برفض الدول المضيفة للاجئين، سورية والأردن ولبنان والسلطة الفلسطينية، التي رفضت الإغراءات المالية التي قدمت لها وأصرت على أن قضية اللاجئين يجب أن تندرج في إطار حل سياسي شامل للقضية الفلسطينية.


بعدها طرحت أيضا قضية نقل المسؤوليات من خلال التعاون مع منظمات دولية أخرى، ليس بالضرورة أن تكون مكلفة من قبل الأمم المتحدة، يتم نقل التمويل إليها وليس لى الأونروا، والقصد من وراء ذلك التخلص من الولاية المسندة بقرارات أممية في ما يتعلق بالأونروا.

عرب 48“: اعتقد ان فرادة الأونروا في كونها المنظمة الدولية الوحيدة التي تختص فقط بقضية اللاجئين الفلسطينيين؟

العزة: كان ذلك في حينه قرارا صحيحا من قبل الدول العربية عام 1948، حيث لم تكن قد قامت وقتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بل كانت هناك منظمة لاجئين مختصة فقط باللاجئين في أوروبا.

الدول العربية اعتبرت أن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية مباشرة عن موضوع اللاجئين الفلسطينيين، لأنها تسببت بنشوء قضية اللجئين نتيجة قرار التقسيم الذي أصدرته عام 1947، وبالتالي رفضت إدراج اللاجئين الفلسطينيين ومعاملتهم كبقية اللاجئين وطالبت بحماية خاصة لهم وبناء عليه تأسست “هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين”، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، من أجل تنسيق الإغاثة الطارئة للاجئين، التي استبدلت بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأونروا)، وذلك في كانون الأول/ ديسمبر 1949 وباشرت عملها مطلع العام 1950.

عرب 48“: ولاية الأونروا جرى تجديدها على مدار 75 عاما، لأن القضية التي تعنى بها وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين، ربما بعكس قضايا لجوء أخرى، لم تحل إلى اليوم، بل أن تفاقمها يزيد من الحاجة للأونروا؟

العزة: هذا الوضع نشأ بعد ان فشل المجتمع الدولي والأمم المتحدة خلال كل تلك الفترة في إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، يضمن لهم العودة إلى ديارهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى تعثر عمل لجنة الأمم المتحدة التي أنشئت عام 1948 بموجب القرار 194 المسماة “لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين” والتي كانت مكلفة بعودة اللاجئين الفلسطينيين ومنحهم الحماية الدولية إلى حين العودة إلى ديارهم بموجب القانون الدولي.

هذه اللجنة واجهت معارضة إسرائيلية وواجهت عقبات من قبل الدول المتنفذة في حينه، الولايات المتحدة وفرنسا، لتعلن في بداية الخمسينيات تعثر عملها بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى الدول المعنية بقضية اللاجئين، في إشارة الى الرفض الإسرائيلي بشكل خاص وغياب الضغط الدولي.

وكما هو معروف، فإن جميع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة لعودة اللاجئين في إطار إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، منذ ذلك التاريخ جرى إحباطها أيضا وهو ما أدام قضية اللاجئين والحاجة إلى الوكالة المعنية بحمايتهم، وهي الأونروا.

عرب 48“: إذن، إسرائيل وحلفاؤها الغربيين الذين تسببوا بقضية اللاجئين وأحبطوا الحلول الداعية لعودتهم إلى ديارهم، يريدون تصفية قضية اللاجئين عبر تصفية المنظمة الدولية القائمة على حمايتهم، من خلال تجفيف منابع تمويلها ووقف خدماتها؟

العزة: كما ذكرت، فإن موضوع نقل المسؤوليات لم ينجح وموضوع قطع التمويل في عهد إدارة ترامب لم يؤد الغرض المطلوب، واضطرت إدارة بايدن إلى إعادة التمويل، ولكنها فرضت مع الاتحاد الأوروبي شروطا مرتبطة بمكافحة الإرهاب، بحيث تتحول الأونروا إلى وكالة تراقب موظفيها الذين أصبحوا مقيدين بقيود رقابة شديدة تمنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي أو حتى التعبير عن الرأي عبر المنصات المختلفة.

وكذلك جرى فرض شروط على مناهج التعليم في المدارس، حيث بات محظورا على مدارس الأونروا تدريس مواضيع معينة قائمة في المنهاج الفلسطيني وتم إصدار كتيب إرشادات للمعلمين في كيفية التعامل مع مصطلحات معينة، مثل “جدار الفصل العنصري” و”حق العودة” وغيرها، وحصل أن تم فصل موظفين على خلفية احتجازهم بسب منشورات تمجد المقاومة على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أنه جرى ملاحقة موظف لأنه مجّد أخيه الشهيد، وقبل الحرب كانت هناك 30 قضية منظورة من قبل الأونروا، بناء على تقارير إسرائيلية، معظمها منشورات على فيسبوك.

وما حدث مؤخرا في غزة هو استغلال وجود اتهامات أو مزاعم إسرائيلية ضد 12 موظفا يدعى أن لهم علاقة مع حماس وأحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، (12 موظفا من 13 ألف موظف) واستغلال ذلك للتحريض للتحريض على الأونروا ودمغها بالإرهاب والضغط على الدول الحليفة، التي سارعت إلى قطع التمويل عن الوكالة، حتى دون تبين الموضوع والتحقيق فيه والتحقق من صحته.


ويبدو أن هذا الإجراء هو بمثابة رد على قرار المحكمة الدولية الأهم حول إدخال المساعدات بشكل فوري إلى قطاع غزة، وكما هو معروف، فإن الأونروا هي من بين الهيئات الدولية الأكثر قدرة وكفاءة على تزويد اللاجئين وحتى الغزيين كلهم بالخدمات، كونها تمتلك الطواقم والمرافق ووسائل النقل داخل القطاع ولذلك فهي الوكالة الدولية الوحيدة المؤهلة لاستقبال وتوزيع المساعدات الدولية في ظل الحرب الدائمة على قطاع غزة، واستهدافها يعني قطع شريان الحياة أو بحسب تعبير مفوض الأونروا، فيليب لازاريني، وقف خدمات إنقاذ الحياة عنه.

عرب 48“: التواطؤ الأميركي الغربي مع المزاعم الإسرائيلية لا بد أنه يشير إلى مخطط ما يسعون إلى تحقيقه…

العزة: باعتقادي أن الموضوع، عدا عن الهدف الأساسي المتمثل بتصفية قضية اللاجئين، يحمل مشروعا سياسيا تعمل عليه الدول الغربية المتحالفة مع إسرائيل في الحرب على غزة، وهو موضوع ما بعد الحرب، ولذلك جاء تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي بأنه “لن تكون هناك أونروا في اليوم التالي للحرب”، وهناك أعضاء كنيست دعوا إلى تدمير الوكالة.

انا شخصيا لا أتفق مع من يقول إن إسرائيل ليس لديها خطة لليوم التالي، وأعتقد أن خطتها من القذارة بمكان بحيث لا تستطيع أن تعلن عنها، وعندما يقال إنه يجب إخلاء قطاع غزة من الأونروا، فهذا يعني سياسيا محاولة شرعنة وتسويق السلطة القادمة، بمعنى أنه سيتم توظيف إعادة الإعمار وحاجات الناس الحياتية لأغراض سياسية، وفي حال إخراج الأونروا، لن يكون أمام الناس سوى السلطة التي سيتم خلقها في داخل قطاع غزة.

كل هذه الحاجات الإنسانية التي توفرها الأونروا من صحة وتعليم وغذاء ومأوى سيتم ربطها بالسلطة المفترضة، سواء كانت سلطة “حكم عسكري” أو” حكم عسكري بصلاحيات مدنية” على غرار “الإدارة المدنية” التي كانت قبل أوسلو أو “السلطة الفلسطينية” بعد مشروع تجديدها أو مشروع “روابط قرى” أو مشروع “دول عربية” وغيرها من الأفكار المتداولة، يتطلب إخراج الهيئة الدولية الفاعلة القادرة على تقديم هذه الخدمات الأساسية للناس.

بمعنى أنه يجري الآن التأسيس لشرعنة السلطة القادمة التي ستكون على مقاس إسرائيل، وذلك من خلال استخدام حاجات الناس ومشاريع إعادة الإعمار وتوظيفها لأغراض سياسية.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *