Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

حوار مع جيف هالبر

في كتابه “تفكيك استعمار إسرائيل، تحرير فلسطين” الذي صدرت طبعته العربية حديثا يرى جيف هالبر من حملة “الدولة الواحدة”، أن ما نسميه عادة “الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني” ليس سوى نضال ضد الاستعمار، نضال ضد الصهيونيّة وإسرائيل من أجل تحرر فلسطين، وهو فرق حاسم، على حد تعبيره.

كما اعتبر أن الصراع ينشأ بين “طرفين” أو أكثر، ويكون كلاهما شرعيين، ثم تتم تسوية الصراع عبر المفاوضات والتسوية، أما النضال ضد الاستعمار فلا يمكن تسويته دون تفكيك النظام الاستعماري نفسه، مما يعني، كما يقول، إن أيا من النضال والصراع يستدعي مجموعة مختلفة من الأهداف والإستراتيجيات والتكتيكات السياسية ويؤدي كل منهما إلى نهاية متباينة تماما.

وبالنسبة لشعب مضطهد فإن تسوية الصراع، والمحتمل أن يكون شكلا من أشكال إدارة الصراع، يمكن أن تؤدي إلى بعض التحسن المؤقت في وضع ظالم لأنها تعالج اختلال القوة بين الطرفين، بالمقابل فإن عملية التحرر تتطلب تفكيك كامل النظام الاستعماري كي يحل محله نظام أكثر عدلا؛ حسب اعتقاد هالبر.

ويرى هالبر أهمية الحاجة لتحليل دقيق كونه يشكل أساسا لبرنامج التحرر، كما أن صياغة إستراتيجية فعالة لتحقيقه تراوح بالضرورة بين الحقلين الأكاديمي والسياسي.

واستنادا لهذا التشخيص لطبيعة الصراع بصفته نضالا ضد مشروع استعماري استيطاني يتعين تفكيكه بالكامل وإقامة نظام عادل، يرى هالير أن على هذا النظام أن يتعامل أيضا مع المواريث التي تركتها الصهيونية ودولتها الاستعمارية وهما الموروثان الديموغرافي والقومي.

ويعكس الموروث الأول، الشبيه بواقع البيض في جنوب إفريقيا، بعد أن صار اليهود الإسرائيليين جزءا من النسيج بحيث يصعب تصور طردهم من البلاد، ما يعني أنهم “باقون على الدوام”.

أما الموروث الثاني يتعلق بتحول اليهود الإسرائيليين إلى كيان قومي، ما يعني أنه في “المستقبل يتعين على هاتين المجموعتين القوميتين العرقيتين، إيجاد إطار مناسب يمكنهم من التعايش ومن ممارسة حياتهم المشتركة في مجتمع خال من الاستعمار وهو إطار الدولة الواحدة”.

وفي ساحة التطبيق العملي يرى هالبر، أن “الفلسطينيين وحدهم يستطيعون تحديد معنى التحرير بالنسبة لهم، والذي يشتمل في حده الأدنى استعادة الشعب الفلسطيني لسيادته وحقوقه القومية ولم شمله كشعب في وطنه التاريخي، وأن يتمتع بالقوة الجماعية التي تمكنه من السيطرة على مصيره والحفاظ على ثقافته الوطنية، وهذا يعني أن عليه ضمان تهيئة الظروف لتحرره في هيكل دولة ما بعد الاستعمار وهو أمر منطقي تماما مثلما حصل في حركات التحرر الأخرى”.

وبهذا الصدد، حاور “عرب 48” الناشط الأكاديمي، جيف هالير، حول الحملة وكتاب “تفكيك استعمار إسرائيل، تحرير فلسطين، ديمقراطية مدنية واحدة”.

“عرب 48”: من الواضح أن حملة “الدولة الواحدة” والكتاب مرتبطان ببعضهما البعض وأن الكتاب جاء ليصيغ ويشرح برنامج وأهداف الحملة وغاياتها بمزيد من الوضوح والتفصيل، وخصوصا أن البعض يعتبره نوعا من اليوتوبيا؟

جيف هالبر

هالبر: من المعلوم أننا بدأنا حملة “الدولة الواحدة” التي تضم فلسطينيين وإسرائيليين قبل أكثر من خمس سنوات، وضمت النواة الأولى مجموعة ناشطين وأكاديميين فلسطينيين بينهم عوض عبد الفتاح وجميل هلال وغيرهم وإسرائيليون بينهم أنا وإيلان بابي ورونين بن آري وغيرهم أيضا.

المجموعة ضمت عددا متزايدا من فلسطينيي 48، بشمل خاص، وضمت أيضا فلسطينيين من مناطق أخرى إلى جانب الإسرائيليين الذين كنا كلنا معاديين للصهيونية مما خلق أرضية مشتركة، وليس مثل المبادرات الأخرى التي كانت تريد الحفاظ على الوضع القائم بما يشمله من سيطرة الأغلبية اليهودية.

ومنذ انطلاقنا كنا صريحين في نوايانا المشتركة المتمثلة بإنهاء الاحتلال وتفكيك الدولة اليهودية واستبدالها بصيغة أكثر عدلا، صيغة يجب أن تكون حسب رأينا “دولة واحدة”، لا فدرالية ولا كونفدرالية بل دولة واحدة ديمقراطية مدنية تقوم على برلمان واحد وجهاز قضائي واحد مثل أي دولة ديمقراطية طبيعية.

“عرب 48”: موديل جنوب إفريقيا كان ماثلا أمامكم، بما يشمله من أبارتهايد ومن تفكيك الأبارتهايد وبناء الدولة الديمقراطية؟

هالبر: صحيح، مثل جنوب إفريقيا إلى جانب عودة اللاجئين الفلسطينيين، كما أن التحول الجذري في برنامجنا يتمثل بالإقرار في أن الدولة الواحدة بين البحر والنهر هي دولة ثنائية القومية.

نحن نعرف أن هذا الموضوع يثير نقاشا واسعا بين الفلسطينيين ولكن هذا هو موقفنا، كما أن القاعدة الأساسية لشراكتنا هي المواطنة، حيث ننطلق من أننا جميعا مواطنين متساوين، وهنا توجد إشكالية في أنك تريد دولة مدنية ولكن ماذا مع القومية الفلسطينية وماذا مع القومية الإسرائيلية اليهودية؟

“عرب 48”: في حينه، عندما تبنت منظمة التحرير الفلسطينية الدولة الواحدة العلمانية الديمقراطية تجاوزت مسألة القومية بواسطة القول “يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود بمساواة”؟

هالبر: صحيح، ولكن هذا فيه نوع من الزيف، وبالتأكيد فيه عامل تاريخي أيضا لأن تاريخ ما قبل الحرب العالمية الأولى، كان فعلا يعيش في هذه البلاد مجموعات دينية وليست قومية، قبل أن يجلبوا القومية من أوروبا.

لكن اليوم أنت لا تستطيع تجاهل القومية الفلسطينية وتقول إن الفلسطينيين هم مجموعة من المسلمين والمسيحيين، مثلما لا تستطيع تجاهل تكون مجموعة قومية إسرائيلية يهودية على مدار 100 سنة من عمر الصهيونية ودولتها.

“عرب 48”: لننتقل إلى الكتاب فهو كما عرفت صدر باللغة الإنجليزية وتمت ترجمته لاحقا إلى العربية؟

هالبر: خلال السنوات السابقة بلورنا “برنامجا سياسيا” من 10 نقاط، والحقيقة كان من المفضل أن يكون كتاب يؤلفه فلسطيني حول الموضوع، يشرح ما هو التحرير وما هي الرؤية وما هي الدولة الواحدة وغيرها من التفاصيل، لكن لم يقم أحد بكتابة هذا الكتاب، علما أن هناك أكثر من كتاب يعالج فكرة “الدولة الواحدة”، فقد كتب عن ذلك نديم روحانا وحتى سعيد زيداني وأسعد غانم، ولكن لا يوجد شيء تفصيلي يمكن أن يكوّن برنامجا سياسيا.

من جهتي شعرت بهذه الحاجة ولكن كوني لست فلسطينيا فأنا لا أستطيع أن أمثل المجموعة ولا الفلسطينيين ولكن كتبت بالرغم من ذلك كأكاديمي، فأنا مختص في علم الإنسان وأتقن استخدام المصطلحات والتحليلات وامتلك رؤية سياسية.

طرحت ما قمنا به كمجموعة حول إلغاء الكولونيالية وإنهاء الصهيونية وتفكيك الدولة، والبديل الذي سيستبدل كل ذلك (الدولة الواحدة)، وعرضت التحليل الشامل الذي خلصنا إليه لهذه الفكرة، ولكن في الكتاب أيضا أنا أؤكد أنني لست فلسطينيا ولذلك أنا أعرض الموضوع كفكرة عامة.

“عرب 48”: كأنك تريد القول إن الفلسطينيين لا ينقصهم أوصياء؟

هالبر: صحيح، لكن من جهة ثانية وجود صوت مناهض للصهيونية من قبل إسرائيلي يهودي هو مهم أيضا، لأن كل مشروع تحرير فلسطين لا يخص الفلسطينيين فقط.

أنا أعرف أن الكثير من الفلسطينيين لا يتوقعون بقاء الإسرائيليين ولن يكونوا سعداء لبقائهم، لكن في الواقع هذا ما سيكون بغض النظر إن كان ذلك عادلا أم لا.

“عرب 48”: الحقيقة أن ذلك يرتبط بكيفية التحرير والطريقة التي سيتم فيها تفكيك الصهيونية ودولتها، إذا ما قيض لذلك أن يحصل يوما ما، وفي الطريقة السلمية التي تطرحونها من الطبيعي أن يبقى غالبية الإسرائيليين اليهود؟

هالبر: أنا في كثير من الأحيان أرافق مجموعات من خارج البلاد إلى تل ابيب وعندما أنظر إلى المدينة أقتنع أكثر أنها ليست ظاهرة عابرة، فالإسرائيليين اليهود هم واقع بغض النظر إن كان عادلا أو غير عادل كما سبق وقلت.

“عرب 48”: لقد فات الوقت، كما يقولون، بعد 75 سنة، ولكن هناك من يقول أيضا إن الصليبيين رحلوا بعد 100 عام، علما أنهم لم يبنوا دولة بنفس العظمة ولم يقلبوا الواقع الديموغرافي والجيوسياسي رأسا على عقب، كما فعلت الصهيونية؟

هالبر: في الحقيقة إن برنامجنا السياسي يحاول أن يكون جيدا للجميع، هو ليس ضد الناس بل ضد الصهيونية وضد الاستعمار الاستيطاني.

“عرب 48”: لا يحضرني ما جرى في هذا الباب في جنوب إفريقيا وكم من البيض غادروا بعد تفكيك دولة الأبارتهايد؟

هالبر: فقط 18% من السكان البيض غادروا جنوب إفريقيا، حدث ذلك على ضوء التصريحات الشهيرة لنيلسون مانديلا “كلنا جنوب إفريقيين” التي جعلت البيض يدركون أنهم جزء لا يتجزأ من جنوب إفريقيا القادمة.

هذا لا يعني أن البيض تقبلوا تفكيك الأبارتهايد، ولكن عندما فرض عليهم ذلك تساوقوا مع الديمقراطية لأنهم أدركوا أنهم جزء من جنوب إفريقيا المستقبلية وهذا كان أحد أسباب نجاح النموذج الجنوب إفريقي، وأعتقد أن الأمر متشابه عندنا أيضا.

وربما مساهمتي كإسرائيلي يهودي مناهض للصهيونية أنني أستطيع قول هذه الأشياء التي يصعب على الآخرين الفلسطينيين قولها.

“عرب 48”: في كتابك قمت بعرض وتفسير برنامج الدولة الواحدة وتحليله؟

هالبر: نعم، ولكن قمت أيضا بإدخال صوت إسرائيلي يهودي، صحيح أنني مناهض للصهيونية ولكنني إسرائيلي مع هوية قومية إسرائيلية يجب قبولها نوعا ما، فأنا لم أستطع تأليف كتاب مثل الفلسطيني ولكن الفلسطيني أيضا لا يستطيع تأليف كتاب يضم الصوت الإسرائيلي الناقد، ولذلك أنا أرى أن صوتي ضروري لجزء من الجدل أو الخطاب.

“عرب 48”: تعني أننا نستطيع “استعمالك” لقول أشياء لا نستطيع قولها بعد؟

هالبر: أو تخافون قولها، ولكن كلمة أخرى تتعلق بالكتاب هي أن المشكلة تكمن اليوم في غياب برنامج أو مشروع فلسطيني، وبرنامجنا هو عودة إلى رؤية منظمة التحرير الفلسطينية الأصلية السابقة قبل أن يطرأ عليها البرنامج المرحلي الذي مهد لحل الدولتين عام 1988، بمعنى أننا لا نوجد شيئا جديدا، بل نؤسس على الأساسات التي بنيت عليها منظمة التحرير الفلسطينية والمتمثلة بتفكيك الصهيونية وإقامة “الدولة الواحدة”.

نحن ندرك تغير الظروف وضرورة تجديد البرنامج والذي يتبدى في الانتقال إلى الدولة المدنية ثنائية القومية عوضا عن العلمانية كما نجدد في الطريق الموصلة إلى هكذا حل.


جيف هالبر: أكاديمي مختص في علم الإنسان يسكن في القدس المحتلة وهو رئيس “اللجنة الإسرائيلية المناهضة لهدم البيوت” وعضو في حملة “الدولة الديمقراطية الواحدة”.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *