Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

من محاسن دار أبي المحاسن 

أقيمت على أراض بربرة مستعمرات صهيونية، منها “مفكيعيم” في الناحية الجنوبية من القرية في سنة 1949، وذلك بغرض منع عودة أهالي بربرة لقريتهم…

قرية بربرة: من محاسن دار أبي المحاسن 

أهالي من قرية بربرة عام 1940 (أرشيف)

هذه المادة هي العاشرة ضمن سلسلة قرى قضاء غزة المهجرة التي حُولت لمستوطنات ما يُعرف بغلاف غزة، والتي ننشرها تباعًا..


ما الذي تبقى من بربرة المهجّرة؟ لم يبق من تلك القرية المقطوفة غير رائحة قطوف ورق دواليها، وضريحٍ في صحنِ مسجدها المسجى عن الصلاة لشيخها الذي ما تزالُ روحه طيفًا يسهرُ في عيون أهله المنكوبين. هو الشيخ “يوسف البربراوي” الذي يُنسب في كنيته إلى قريته بربرة التي لم يُعد من أهلها من يتذكر أصل تسميتها، فصارت القرية في ذاكرة أبنائها تُنسب في تسميتها لفضيلة ذلك الشيخ الذي أودعوه قريتهم وذكرياتهم بعد تهجيرهم.

نزل الشيخ يوسف بربرة في مطلع القرن الثامن للهجرة، وهو من أصل مغربي، ومن صلحائهم كما يقول الطبّاع (1)، وبحسب الجغرافي العربي مجير الدين الحنبلي كان الشيخ يوسف عالم تتلمذ على يد العالم الشهير أحمد بن داود المتوفى سنة 1323 هـ والمُلقب بـ “الكبريت الأحمر” (2). أقام الشيخ البربراوي في القرية زاوية أنجبت لاحقًا الجامع الوحيد في القرية حتى عام النكبة. توفي الشيخ ودُفن في إحدى زوايا زاويته، فصار ضريحهُ جامعًا يجمع الناس للصلاة ولِصلة روابط الدم واللحم ووشائح الرحم فيما بينهم. مات الشيخ ولم تمت محاسنه، فلُقب بـ “أبي المحاسن” (3) كان يُشار إليه باسمه “الشيخ يوسف”، بينما إذا قرر أحد رجال أو نساء القرية التوسل إليه أو التشفع به خاطبوه بـ “يا سيدي يابو المحاسن”.

إلى الشمال من غزة المدينة، وعلى بعد ما يقارب الـ 20 كليو مترا كانت تقع قرية بربرة على سفح تلٍ من سوافي الرمل الساحلية على الطريق الواصل ما بين غزة جنوبًا ويافا شمالًا، كما كانت على الجانب الغربي لطريق خط سكة حديد رفح – حيفا بين غزة والمجدل. وكانوا أهالي بربرة في يومياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والإنتاجية أقرب إلى المجدل من غزة. اعتبرت بربرة قرية كبيرة نسبياُ، حيت قارب تعداد سكانها في عام النكبة 2500 نفر، وقُسمت القرية إلى حارتين، شرقية وغربية، نزلتهما أشهر عائلات بربرة منها: أحمد وصالح، يونس، الأشقر (أبو نحل)، نصار، صالحة أبو ضباع، أبو عبادي، سعد الدين والعنون وغيرها. لكل حمولة خصوصا الكبيرة منها مقعدًا أي ديوان، يقصده الناس للاجتماع في الأفراح والأتراح أو لفض النزاعات وإبرام المواثيق بين أهالي كل حارة أو القرية عمومًا (4).

أما عن أصل تسميتها، فيُذكر بأن بربرة هي كلمة أرامية، وتعني “بدائيًا أو بدويًا”. والتي تبدو أنها حملت اسمها في موقعها منذ العهد الروماني (5).

من أشهر وديان بربرة كان وادي موسى الواقع من غرب القرية قادماُ من الناحية الشمالية باتجاه الجنوب، بينما الطريق الأسفلتي ما بين غزة ويافا كان يمر من شرقها. أحاطت ببربرة عدة قرى من قرى قضاء غزة، فمن الشمال كانت تُحيط بها قرية الجية على مسافة أقل من 2 كم تفصل بينهما أرض عامودا أخصب أراضي عنب بربرة المشهور، وذلك إلى حد تمددت فيه عرائش دوالي بربرة إلى الجية نفسها “بتناولوا عن شجرنا، ومنتناول عن شجرهم” تقول الحاجة أم جمال). ومن الغرب قرية هربيا تبعد مسافة 4 كم بينما قرية نعليا إلى الغرب الشمالي، أما من الجنوب، فكانت قرية بيت جرجا على مسافة لا تزيد عن 1 كم ثم دير سنيد، وبين بيت جرجا ودير سنيد أراضٍ يملكها أهالي بربرة منها أرض بيت لجوس، ومن الشرق كانت قرية بيت طيما التي تبعد مسافة 10 كم ومن شرقها برير.

مختار قرية بربرة عام 1940 (أرشيف)

أما المستعمرات التي أحاطت ببربرة قبل النكبة، فكانت “كوبانية الحَبِل” بحسب تسمية أهالي برير الشعبية لها، تقع جنوب القرية على طريق الإسفلت خط غزة – يافا وهو التي صارت تُعرف لاحقا بعد نكبة 48 بمستعمرة مفكيعيم.

كان مسجد بربرة يعتبرُ أحد أبرز معالم القرية المُشكل لهويتها الدينية والحضارية، خصوصا أن فيه ضريح الشيخ يوسف الذي تسمى الجامع باسمه. شُيد المسجد في عهد السلطان العثماني مراد الثالث، وعلى بابه نقشٌ ظلّ يؤرخ لسنة إنشائه مكتوب عليه: ” إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين. جدد هذا المسجد الشريف في أيام سلطنة مولانا السلطان الأعظم والخاقان الأكرم المنصف بين العباد مولانا السلطان مراد خان أدام الله سلطانه، العبد الفقير المعترف بالعجز واليه شهاب الدين أحمد بن المرحوم الشيخ زين العابدين متولي وقف المسجد تقبل الله منه عمله سنة 985هـ (1577م)” (6).

تعتبر زاوية الشيخ يوسف البربراوي وجامعه بمثابة ذاكرة القرية منذ نشأتهما، ويذكر صاحب كتاب إتحاف الأعزة أن جميع الأراضي الخاصة ببربرة المذكورة قديمًا نصفها كان وقف على الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة، والنصف الآخر على زاوية الشيخ يوسف وجامعها في القرية، ثم ألحق بها مقدارها من الأراضي الأميرية، إذ كان لجامع القرية إمام وخطيب ومؤذن وخادم وقارئ، وكان له متولي خاص بحجج شرعية وبراءات سلطانية (7).

أقيمت في بربرة سنة 1921 مدرسة تأسيسية (ابتدائية)، وسمّاها أهالي القرية مدرسة الشرّاق نسبة للأرض المقامة عليها شرقي القرية (8)، ظلت تدرّس للصف الخامس حتى عام النكبة، وصل عدد تلاميذها من أبناء القرية وبعض القرى المجاورة عام 1948 إلى ما يزيد عن 250 تلميذًا وخمسة معلمين، كانت تدفع القرية مرتبات ثلاثة منهم (9).

كان مشرب أهالي القرية من بئر قريتهم الوحيدة، بئر دار إحمد كما كانوا يسمونه؛ لأنه واقع في حارتهم، وهي بئر كفرية قديمة محفورة في بربرة منذ عهد الرومان فيها، كما كانت في القرية آبار أخرى من أجل خزن الزيت فيها. إضافة إلى معالم أثرية أخرى منها أعمدة من الرخام في جنوبي القرية وخزنات مياه صخرية ومقبرة قديمة (10).

اعتبر عنب المناطق الساحلية من أجود أنواع العنب في البلاد تاريخيا، والأشهر في عنب الساحل كان العنب البربراوي الذي عرفت القرية زراعته منذ نشأتها من مئات السنين، والعنب البربراوي كان مضرب مثل فعلًا ليس في مدن فلسطين إنما في أسواق يهود تل أبيب قبل النكبة (11).

اشتبكت قرية بربرة مع العصابات الصهيونية منذ مطلع كانون الثاني سنة 1948، وكان للقرية دور نضالي ضد الصهاينة ومن قبلهم القوات الاستعمارية الإنجليزية منذ ثلاثينيات القرن الماضي. كما نصب أبناء القرية عدة كمائن للقوات الصهيونية على طريق غزة – يافا الأسفلتي أوقعت عشرات القتلى والجرحى بينهم. وظلت بربرة تقاوم وتصارع منع نكبتها حتى أواخر عام النكبة، إذ سقطت بيد الصهاينة ما بين 4 – 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948 بعد طرد أهلها منها.

أقيمت على أراض بربرة مستعمرات صهيونية، منها “مفكيعيم” في الناحية الجنوبية من القرية في سنة 1949، وذلك بغرض منع عودة أهالي بربرة لقريتهم. كما أنشأت في عام 1950 مستعمرة “تلمي” في الجنوب الشرقي من موقع القرية. كما أقيمت في نفس العام مستعمرة “غيئا” إلى الشمال الشرقي من موقع بربرة على أراضيها.

إحالات:


1 _ الطبّاع، الشيخ عثمان مصطفى، إتحاف الأعزة في تاريخ غزة، تحقيق: عبد اللطيف زكي هاشم، مكتبة اليازجي، غزة، 1999، ج2، ص 382.

2 _ المرجع السابق، ج2، ص382.

3_ سكيك، إبراهيم خليل، غزة عبر التاريخ، ج6، ص64.

4 _ صالح، موسى، بربرة، مقابلة شفوية، موقع فلسطين في الذاكرة: ضمن مشروع تدوين الرواية الشفوية للنكبة الفلسطينية، تاريخ 14-5-2007

5 _ سكيك، المرجع السابق، ج6، ص63.

6 _ الطبّاع، المرجع السابق، ج2، ص382.

7 _ المرجع السابق، ج2، ص382.

8 _ صالح، موسى، المقابلة السابقة.

9 _ سكيك، المرجع السابق، ج6، ص64.

10 _ المرجع السابق، ج6، ص64.

11 _ صالح، موسى، المقابلة السابقة.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *